خواطر ـ بين (العالم) و(العالمة).. خيط رفيع! ـ بقلم: أبو خالد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 18 شعبان 1423 هـ الموافق 24 أكتوبر 2002 ماذا تفعل ـ عزيزي القارئ ـ اذا جمعتك الظروف برجل يقنعك مظهره بأنه محترم، فيجلس اليك ليحدثك في وقار الحكماء واتزان العقلاء عن فضائل الاخلاق الحميدة ومزايا الحشمة والبعد عن الرذيلة، ثم يستأذنك للحظات يقف فيها ليحزم وسطه بشال او ايشارب.. يبدأ بعدها وصلة من الرقص الشرقي، يهز خلالها وسطه وصدره.. بلا وقار هذه المرة، وما يكاد ينهي وصلته الراقصة حتى يفك الشال او الايشارب عن وسطه، ويعيد ترتيب ملابسه مجففاً عرقه، ومن ثم يعود للجلوس معك مكملاً حديثه الاخلاقي بنفس الوقار والاتزان.. وكأن شيئاً لم يكن! ثم ما هو رأيك مرة اخرى ـ عزيزي القارئ ـ في صديق ناصح، يجلس اليك ليحدثك في حماس عن التدخين واضراره.. وعن السيجارة واخطارها، ويزداد حماسه فيفتح اوراقه ليطلعك بالارقام والاحصائيات على اعداد المدمنين، من (فلْسَع) منهم ومن ينتظر على اسرة المرض في المستشفيات، ثم.. وفي غمرة حماسه واندفاعه في الحملة على التدخين والمدخنين يخرج من جيبه علبة سجائر ينتزع واحدة منها ليضعها بين شفتيه ويشعلها باحتراف المدخن الاصيل، ومن ثنايا سحب الدخان التي ينفثها امامك وفي وجهك يتابع حديثه عن السجاير وبلاويها.. وعن التدخين ومصائبه! في الحالين ستجد نفسك مضطراً للاعتقاد بأن من امامك ليس الا واحداً من اثنين، اما مخبول خرج في اجازة او هرب من مستشفاه، واما رجل مصاب بانفصام ـ او ازدواج ـ في شخصيته، ينتقل بسهولة من شخصية الى اخرى، والضحية في الحالين هو المسكين.. انت..!، وستندب حظك (المهبب) الذي اوقعك مع هذا او ذاك، وسيكون موقفك الوحيد حينذاك هو البحث عن مخرج او مهرب بعيداً عن هذا وذاك! هاتان الصورتان الهزليتان للوقور الراقص.. او المدمن الناصح ليستا من نسج الخيال او شطحات التخيل، وكلاهما مثلان واقعيان لاعلامنا الصحفي والفضائي، وما عليك الا ان تمسك بأي صحيفة امامك، فتستقبلك صفحتها الأولى او الثانية بمواقيت الصلاة تزينها بعض الآيات القرآنية او الاحاديث النبوية فينشرح صدرك وتقلّب بعض الصفحات فتصادفك صفحة دينية يفيض فيها الحديث عن الجنة والنار وعن الكبائر والموبقات، وعن نعيم الطائعين العابدين.. وعذاب العصاة المارقين، وتحمد ربك على نعمة الاستقامة وتستعيذ بالله من نقمة المعاصي والخطايا، ولكنك ما ان تقلب صفحة واخرى حتى تقفز الى عينيك صورة لانثى في وضع لا يتفق بحال مع عمامة الصفحة الدينية، تصاحبها صور اخرى وعناوين تدخل ضمن محظورات ما ورد في مقالات كتاب ومشايخ الصفحة المذكورة، وقد تقلب الصفحة الى صفحة اخرى فيطالعك اعلان يرحب بك في (النايت كلوب) بالفندق الفلاني حيث تستقبلك صور اخرى لفاتنات الاستعراض العالمي (هلس شو)، مع التأكيد بأن سهرات (النايت) المذكور هي ليالي العمر.. حيث المرح.. والطرب، والمزّات، المشهيات.. مع الصبايا الفاتنات..! الفضائيات العربية بعد ان وضعت اقدامها على الساحة، التقطت الخيط وسحبت البساط تدريجياً من الصحف، لتصبح سيدة الانفصام الاعلامي، بالصوت، وبالصورة.. وبالحركة ـ وما ادراك ما الحركة، واصبح شعارها «23 ساعة لقلبك.. وساعة لربك»، فما تكاد تنتهي من برنامج حافل بالايمان، عامر بالوعظ والارشاد يحدد بالتفصيل ما هو الحلال وما هو الحرام، ويخص بالذكر وبالنقد وبالاستنكار الشديد (الكاسيات العاريات) و(السافرات الفاضحات)، ثم ما ان ينتهي البرنامج وتنفض حلقة الفتاوى، حتى تطل الكاسيات العاريات.. تتبعها السافرات الفاتنات واحدة بعد الاخرى.. أو واحدة مع الاخرى لتقول كل واحدة منهن.. بعينيها تارة وبصدرها تارة وبخصرها تارة .. وبساقيها تارة، باختصار ليقول كل ما فيها رأيه فيما قاله الشيوخ وارباب الفتاوى منذ دقائق، مؤكدات في كل كلمة.. وحركة.. وانثناءة وضحكة، ان الساعة لربك قد انتهت، وان الساعات الباقيات من الليل والنهار ساعاتهن، وان الكلمة الاخيرة في كل ما طرح من قضايا في البرنامج الديني كلمتهن، ويؤكد التصفيق الحار من الحاضرين والحاضرات للقاء الصبايا والشباب ذلك، مما يعتبر استطلاعاً للرأي تثبت به الفضائيات ـ على طريقتها ـ ان دولة الجد ساعة.. وان دولة الهلس الى قيام الساعة!! وهكذا يجد مشاهد الفضائيات العربية نفسه مصاباً بحول اعلامي خطير وهو يطالع باحدى عينيه عالماً جليلاً يحدثه بوقار وحكمة عن الحلال والحرام، وعن الممنوع والمسموح، ويطالع بعينه الاخرى مذيعة (فالتة) او راقصة (عايقة) تحدثه بجسدها قبل لسانها.. وتمسح في دقائق كل ما قد يكون علق بذهنك من وقار عالمك الجليل ومن فتاواه التي مازالت اصداؤها عالقة بفضاء الاستديو الذي استقبل هذا وتلك!! عمامة الفضائيات ـ ومعها بعض الصحف ـ احتارت، فهي حيناً على رأس العالم الوقور، وهي حيناً تستخدم شالها لتحزيم الراقصات و(العوالم) لزوم الدروس في (فقه الرقص) و(شريعة الهلس).. و(فتاوى الانحراف)! ولله في فضائياته شئون ..

Email