خط مباشر ـ لماذا تتشدد روسيا؟ ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 17 شعبان 1423 هـ الموافق 23 أكتوبر 2002 لُدغت روسيا مرتين من نفس الجحر الاميركي. ولذا فانها صممت على ألا تلدغ للمرة الثالثة. وهذا هو تفسير الخط المتشدد الذي تتبعه موسكو الآن حيال الولايات المتحدة فيما يتعلق بالعراق. لأكثر من شهر تتردد ادارة بوش في طرح مشروع قرار جديد على مجلس الامن الدولي يتضمن تفويضا للدول الاعضاء يسمح للولايات المتحدة بشن غزو كاسح على العراق باسم الشرعية الدولية. وسبب التردد الاميركي هو ان روسيا قد تشهر سلاح «الفيتو» في وجه المشروع. والسؤال المطروح هو: لماذا ظلت موسكو على معارضتها العنيدة للولايات المتحدة بشأن المسألة العراقية؟ الاجابة المتداولة تحصر الأمر في مصالح روسيا لدى العراق. هما مصلحتان تحديدا: ديون روسية على العراق تحسب بمليارات الدولارات ورثتها موسكو عن الاتحاد السوفييتي السابق.. واستثمارات روسية مستقبلية في المخزونات النفطية العراقية جرى التعاقد عليها مؤخراً في اطار اتفاق تعاون وتجارة بقيمة 40 مليار دولار. روسيا اذن لها مصلحة حيوية مباشرة في تحرر العراق من نظام العقوبات الدولية وازدهاره بعد ذلك بما يمكن نظام الرئيس صدام حسين اولا من سداد الديون الروسية، وثانيا فتح الباب للاستثمارات الروسية الجديدة. لكن الأمر اجل واكبر شأنا من ذلك لتفسير التغيير في المسلك الروسي تجاه الولايات المتحدة، من تعاون كاد يبلغ درجة الشراكة الاستراتيجية الى معارضة شرسة تكاد تكون عداء مكشوفا. ان هذا التغيير يعكس تذمراً متناميا وسط القوى السياسية الروسية المساندة لنظام الرئيس فلاديمير بوتين. ومبعث هذا التذمر المتنامي لخصه احد كبار المسئولين في ادارة بوتين في حديث له عن العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة قائلا: «لا يمكن الاستمرار في علاقة تعطي لجانب ولا تعطي للآخر». هنا نأتي لحكاية اللدغ من جحر مرتين. كانت المرة الاولى على مرحلتين مرحلة الرئيس غورباتشوف في مطلع التسعينيات عندما غير مجرى التاريخ المعاصر بإعلان تفكيك الاتحاد السوفييتي... ومرحلة الرئيس يلتسين الذي التقط الخيط من هذه النقطة ليعلن باسم روسيا الجديدة الغاء النظام الاشتراكي وتبني نظام اقتصاد السوق الحر ـ اي النظام الرأسمالي، ولان الولايات المتحدة هي المستفيد الأول والاكبر من هذين التطورين الحاسمين، فانها الزمت نفسها بتحمل فاتورة اعادة بناء الاقتصاد الروسي على النسق الرأسمالي. لكن روسيا لم تقبض سوى الريح.. ومع زوال دور الدولة الاقتصادي بذهاب النظام الاشتراكي، وبالتالي انتقال ملكية وسائل الانتاج الى حفنة من المليارديرات الجدد مرتبطة بالنظام الرأسمالي العالمي، تحول الشعب الروسي رويدا الى شعب من الشحاذين. لقد كان المأمول من جانب موسكو على اقل تقدير هو ان تحظى بشطب الديون الغربية التي تناهز مئة مليار دولار. لكن حتى هذا السخاء المتواضع لم تظفر به روسيا من الولايات المتحدة. ثم جاءت «احداث سبتمبر» التفجيرية والحرب العالمية الاميركية ضد الارهاب»... وهنا سمحت موسكو لنفسها بأن تلدغ من الجحر للمرة الثانية. فقد بذلت اقصى جهدها في التعاون مع الولايات المتحدة مقابل مجرد «وعود» اميركية. لقد كان دور روسيا حاسما في انجاح الحرب الاميركية في افغانستان. فقد سمح بوتين بنشر قوات اميركية في دول آسيا الوسطى وإقامة قواعد عسكرية اميركية. ومع ذلك لم تترجم واشنطن وعودها الى اي معونات اقتصادية ملموسة لمساعدة الاقتصاد الروسي على استرداد عافيته. والآن يبدو أنه بعد ان توصلت ادارة بوش الى التصميم على ضرب العراق.. فاحتاجت مرة اخرى الى تعاون روسيا، كان الرئيس بوتين قد راجع قائمة الحسابات الروسية السالبة مع الولايات المتحدة فقرر ألا تلدغ روسيا من الجحر الاميركي للمرة الثالثة. ومن هنا كانت المعارضة الروسية المتشددة ضد الخطة الاميركية لغزو العراق. وفي هذا السياق تقول صحيفة «هيرالد تربيون» الاميركية: «في داخل روسيا يتعاظم التحرر من الوهم بخصوص الصداقة بين بوتين وبوش والتي يرى العديد ان روسيا لم تجن من تلك العلاقة فوائد تذكر». ان بوش يبذل الان «وعوداً» جديدة لموسكو مفادها ان المصالح الروسية سوف تكون «مضمونة» في عراق ما بعد صدام اذا وافق الرئيس بوتين على ضرب العراق. وهنا يقول سيرجي ماركوف احد مساعدي بوتين: «لقد علمتنا التجارب عدم الوثوق بالمواقف الاميركية.. فهم وببساطة يحاولون خداعنا على الدوام».

Email