الرعب فى قلب واشنطن ـ بقلم: أحمد منصور

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 15 شعبان 1423 هـ الموافق 21 أكتوبر 2002 فى الوقت الذى يوزع فيه الرئيس الاميركي جورج بوش عبارات التهديد والوعيد لكل من يخالف الولايات المتحدة الاميركية خرج عليه وربما فى مسافة لا تبعد مئات الأمتار عن مقره قناص اميركي بث الرعب فى نفوس ملايين الأميركيين الذين يقيمون فى العاصمة أو المدن والأحياء الملاصقة لها والتى يعيش فيها معظم الذين يعملون فى العاصمة واشنطن، وقد أصبح هذا القناص الذى عجزت الشرطة عن ملاحقته واضطرت أن تستنجد بالجيش ليس حديث الأعلام الاميركي وحده وإنما حديث الأعلام العالمى فهو ينتقى ضحاياه بعشوائية مطلقة وبطلقة واحدة مميتة ومن بندقية حديثة الصنع، وقد اتصلت بأحد الأصدقاء المقيمين فى العاصمة واشنطن لأسأله عن الوضع فقال لى: الجميع يعيشون هنا فى رعب قاتل فلا أحد يعرف متى تأتيه الرصاصة القاتلة، والأجهزة التى تدعى أنها يمكن أن تعرف ما فى داخل نفوس الناس عجزت عن تحديد هوية القناص بعدما بلغ عدد ضحاياه حتى كتابة هذه السطور تسعة. لكن هذه الحادثة تسلط الضوء على جانب مهم فى الحياة الاميركية يخفيه بريق الحضارة وجنون القوة الذي يسيطر على حكام اميركا فى هذه الأيام، وهو الحجم الهائل للجرائم وعدم الشعور بالأمن لدى الاميركيين أو الذين يقومون بزيارات للولايات المتحدة، فأثناء زياراتى للعاصمة واشنطن خلال السنوات الماضية لم تكن أبواق سيارات الأسعاف والشرطة تتوقف على مدار الساعة وحينما خرجت من فندقى القريب من مركز الصحافة الوطنى والقريب بدوره من البيت الأبيض ـ حينما خرجت بعد العاشرة ليلا لأمشى قليلا فى الشوارع المحيطة بالمكان اعتبر أصدقائى المقيمون هناك أن هذا عملا جنونيا لأن الأمن بعد العاشرة يصبح شبه منعدم وينتشر فى الشوارع اللصوص وقطاع الطرق والمتسولون والمدمنون وعتاة الجريمة. ففى تقرير نشرته الصحف البريطانية فى شهر يوليو من العام الماضى 2001 تصدرت العاصمة الاميركية واشنطن قائمة أكبر عواصم العالم انتشارا للجريمة، حيث يصل معدل جرائم القتل فى واشنطن 4،2 لكل مائة ألف نسمة، أى أكثر من 50 جريمة قتل لكل مائة ألف نسمة ومعدل سنوى يصل إلى خمسمائة قتيل، أما فى اميركا بشكل عام فإن معدلات جرائم القتل تصل سنويا حسبما ذكر ألان بيير وإميل بريز فى كتابهما «اميركا العنف والجريمة» الذى صدر فى العام 2000 ـ إلى 3،6 جرائم قتل لكل مائة ألف اميركي حسب معدلات العام 1998 فيما تصل إلى 6،1 فقط لنفس النسبة فى فرنسا، وخلال عقود القرن العشرين سجلت الولايات المتحدة أعلى نسبة للقتلى بالعيارات النارية فى العالم بلغت ثلاثة أضعاف فرنسا وأربعة أضعاف كندا، وسبعة أضعاف البلدان الاسكندنافية، وخلال الفترة من العام 1960 وحتى العام 2000 لقى سبعمائة وخمسون ألف اميركي مصرعهم قتلا بالرصاص، أى بمعدل سنوى يصل إلى ثمانية عشر ألفا وسبعمائة وخمسين قتيلا كل عام، ويملك الأميركيون 230 مليون قطعة سلاح نارى فى بيوتهم، ويشترون سنويا سبعة ملايين قطعة سلاح مما ينتج حديثا. ولن أتحدث هنا عن حجم ونوعية الجرائم الأخرى لكنى ربما أتناولها فى مكان آخر، لكن القتل هو أشد وأخطر هذه الجرائم على الاطلاق، وحينما نجحت الولايات المتحدة فى خفض معدلات جرائم القتل وصلت فى العام 1998 إلى 16914 جريمة قتل، أى بانخفاض بلغ 7% عن العام السابق له 1997، ومن الطبيعى أن تصل مبالغ مكافحة الجريمة إلى مستويات عالية للغاية، حيث تنفق الولايات المتحدة سنويا على علاج ضحايا الجريمة 105 مليارات دولار يضاف إليها 350 مليارا تدفع لهم على شكل تأمينات وتعويضات، أما الجهاز الأمنى الذى عجز حتى الآن عن القبض على سفاح واشنطن فإنه ينفق عليه سنويا 120 مليار دولار، أما السجون التى تضم 666 اميركي من كل مائة ألف، وهى النسبة الأعلى فى العالم حيث يقابلها مثلا من الفرنسيين 86 لنفس النسبة فإن نفقاتها السنوية تصل إلى 35 مليار دولار. إن ما يقوم به سفاح واشنطن شيء بشع دون شك لانه إزهاق لأرواح بريئة بطريقة رديئة وجبانة، لكنه فى نفس الوقت قام بتعرية أشياء كثيرة تستر تلك القشرة الواهية للولايات المتحدة، وأهم ما قام بتعريته هو غطرسة القوة التى يظهر بها بوش ومستشاروه وهم يتهمون العالم بالارهاب فيما يعجزون عن القضاء عليه داخل بيوتهم، ويفخرون بأنهم يملكون القوة التى يستطيعون بها أن يغيروا وجه العالم.. لكن هذه القوة نفسها تقف اليوم عاجزة بكل أجهزتها عن رصد مجرم واحد يبث الرعب فى قلب واشنطن. ـ كاتب واعلامي مصري

Email