تراثيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 11 شعبان 1423 هـ الموافق 17 أكتوبر 2002 دخل سليمان بن عبدالملك المدينة فأقام بها ثلاثاً، فقال: ما هاهنا رجل ممن أدرك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يحدثنا، فقيل له: بلى هاهنا رجل يقال له أبوحازم فبعث إليه، فجاءه فقال له سليمان بن عبدالملك: يا أبا حازم ما هذا الجفاء؟ فقال له أبوحازم: وأي جفاء رأيت مني؟ قال له سليمان: أتاني وجوه أهل المدينة كلهم ولم تأتني، فقال له: أعيذك بالله أن تقول ما لم يكن، ما اجرى بيني وبينك معرفة آتيك هكذا؟ فقال سليمان: صدق الشيخ، ثم قال سليمان: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ فقال أبوحازم: لأنكم أخربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، فأنتم تكرهون أن تنقلوا من العمران إلى الخراب، قال: صدقت يا أبا حازم، كيف القدوم على الله؟ فقال: أما المحسن فكالغائب يقوم على أهله وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه، قال: فبكى سليمان، قال: يا ليت شعري ما لنا عند الله يا أبا حازم؟ فقال أبوحازم: اعرض نفسك على كتاب الله عز وجل تعلم مالك عند الله، فقال: يا أبا حازم أين نصيب تلك المعرفة في كتاب الله عز وجل؟ قال أبوحازم: عند قوله عز وجل «إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم» فقال سليمان: يا أبا حازم فأين رحمة الله؟ قال أبوحازم: قريب من المحسنين، قال سليمان: يا أبا حازم من أعقل الناس، فقال أبوحازم: من تعلم الحكمة وعلمها الناس، قال سليمان: يا أبا حازم من أحمق الناس؟ قال أبوحازم: من باع آخرته بدنيا غيره، فقال سليمان: ما أسمع الدعاء؟ قال أبوحازم: دعاء المخبتين إليه، قال سليمان: ما أزكى الصدقة؟ فقال أبوحازم: جهد المقل. فقال سليمان: يا غلام ائت بمئة دينار ثم خذها يا أبا حازم، فقال أبوحازم، لا حاجة لي بها إني أخاف أن تكون لما سمعت من كلامي: إن موسى عليه السلام لما هرب من فرعون وورد ماء مدين وجد عليه الجاريتين تذودان، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير، ولم يسأل عن عون الله أجراً على دينه، فلما أعجل بالجاريتين الانصراف أنكر ذلك أبوهما، وقال: ما أعجلكم؟ قالتا: وجدنا رجلاً صالحاً فسقى لنا، قال: فما سمعتماه يقول؟ قالتا: سمعناه يقول: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير، قال: ينبغي أن يكون هذا جائعاً تنطلق إحداكما فتقول له: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا قال: فجزع من ذلك موسى عليه السلام فلما بلغ الباب دخل وإذا طعام موضوع، قال شعيب: أصب يا فتى من هذا الطعام، قال موسى عليه السلام: أعوذ بالله، قال شعيب: ولم؟ قال موسى: لأننا من بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهباً، قال شعيب عليه السلام: لا والله لكنها عادتي وعادة آبائي نطعم الطعام ونقري الضيف، فجلس موسى فأكل، فإن كانت هذه الدنانير هي عوضاً لما سمعت من كلامي فالآن أرى أكل الميتة والدم في حال الضرورة أحب إلي من أخذها. أبوصخر

Email