خواطر ـ عقلاء الأمة ـ بقلم: أبو خالد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 11 شعبان 1423 هـ الموافق 17 أكتوبر 2002 جميل ان يكون لكل أمة عقلاؤها، وجميل ان يتطلع بسطاء الأمة ودهماؤها وقت الأزمات الى عقلائهم فيجدوا عندهم الرأي الصائب والحكمة العميقة، فهم العقلاء.. وهم الخبراء.. وهم الحكماء، وعلى نور عقلانيتهم.. وعميق خبرتهم.. وخلاصة حكمتهم يسير الجميع وهم مطمئنون.. واثقون من النصر.. ومن النجاة.. ومن النجاح! وعندما اشتدت أزمة العرب واستفحلت وضاقت حتى استحكمت حلقاتها، لم ينتظر عقلاء الأمة دعوة من أحد.. وقبل ان يتوجه البسطاء والدهماء بالنداء أو بالاستغاثة إذا بهم ـ كما عهدناهم ـ في المقدمة، وإذا بعقولهم النيرة تنشط ـ كعادتها ـ لمواجهة الازمات، استنفروا حكمتهم.. واسترجعوا خبراتهم، وقبل ان يسألهم أحد كانوا جاهزين بالاجابة.. وكانوا حاضرين بالمشورة.. وكانوا ـ كما عرفناهم ـ ناطقين بالحكمة! عقلاء الأمة ـ رعاهم الله ـ بقدر ما هالهم العدوان الاسرائيلي بوحشيته وهمجيته، بقدر ما أفزعهم لا عقلانية الموقف الفلسطيني الذي أصر على ان يقابل العنف بالاستشهاد.. ويواجه العدوان بالانتفاضة المسلحة من منطلق ان ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، عقلاء الأمة لم تستفزهم المذابح الاسرائيلية للكبار وللصغار في الأرض المحتلة بقدر ما استفزهم واستدر دموعهم سقوط (الأبرياء) من المغتصبين الصهيانة في العمليات الاستشهادية الفلسطينية، ومن ثم راحوا يلطمون الخدود حزناً على الرأي العام العالمي الذي خسرناه.. والموقف الدولي الذي لن يتعاطف معنا بعد اليوم، صحيح ان هذا الرأي العام العالمي وذلك الموقف الدولي لم يذرف أي منهما يوماً دمعة حزن على من سقطوا في كل المذابح الاسرائيلية بدءاً من (دير ياسين).. ومروراً بصبرا وشاتيلا.. ووصولاً الى المذابح اليومية في رام الله ونابلس وجنين وكل الأراضي الفلسطينية، ولكن ـ كما يقول ويؤكد عقلاؤنا ـ عقلاء الأمة وملاذها.. كل هذا لا يجب أن يكون مبرراً لاستمرارنا في العمليات (التي يستنكرون وصفها بالاستشهادية) التي لا تليق بأناس متحضرين في عالم متحضر.. وفي مواجهة شعب اسرائيل المتحضر!! عقلاء الأمة ـ أعانهم الله على جهلائها ـ أكدوا لنا ـ وهم الأكثر عقلانية والأعظم ذكاء وخبرة ـ ان الحرب لا تعيد حقاً ولا ترد أرضاً، وان المقاومة المسلحة ـ ولو بالحجارة ـ تجعل شكلنا (مش ولا بد) أمام العالم المتحضر، وان عنف المقاومة لا يجر إلا العنف، أما عنف اسرائيل فلابد من مواجهته بالصبر، وبضبط النفس.. وبانتظار الفرج، مؤكدين ان هذا الفرج آت لا محالة على طاولة من خشب تسمى (طاولة المفاوضات)، وهي طاولة لها فعل السحر في زوال الاحتلال.. وفي تحقيق الدولة المستقلة الكاملة.. وفي الاقرار بأن القدس ـ شاء من شاء وأبى من أبى ـ هي عاصمة دولة فلسطين المستقلة، وفي هذا الاطار يؤكد عقلاء الأمة أهمية (النفس الطويل) في الوصول الى تحقيق تلك الأمنيات، فقد تطول المفاوضات وقد تتعثر.. وقد تتوقف ثم تعود.. وقد تفشل ثم تنجح، ولكنها آتية بالنصر وبالاستقلال وبالتحرر وإن طال الزمن، ولن يضيع حق ـ كما يقولون ـ ولو طال ثم طال وطال الزمن، وما تعذر تحقيقه على أيدي الجيل المعاصر فهو لابد سيتحقق على أيدي أجيال اخرى قد تكون من أولادنا أو من أحفادنا، أو أحفاد أحفاد أحفادنا، ولن يحل يوم القيامة بإذن الله إلا وقد تحقق النصر.. وزال الاحتلال، وانتهت المحنة، وسيكلل النصر وقتذاك برؤية الصهاينة أعدائنا وأعداء الله وهم يسحبون في نار جهنم على وجوههم عقاباً لهم على اجتياح جنين وحصار عرفات.. وقمع المجاهدين! ويومها ـ أيضاً ـ يوم القيامة ويوم تحقيق النصر ـ سيعرف الشعب العربي عامة ـ وخاصة المتشائمين منه ـ كم كان عقلاء الأمة على حق.. وكم كانت رؤيتهم بعيدة وصائبة، وكم كنّا ـ نحن جهلاء الأمة ـ ظالمين لهم.. غير مقدرين بعد نظرتهم.. وحكمة توجهاتهم وعقلانيتهم في مواجهة المحن.. وايمانهم الذي لا يهتز بحكمة عقلاء قبلهم أكدوا ان (الصبر مفتاح الفرج).. وان (في العجلة الندامة وفي التأني السلامة) وان (من صبر نال ما تمنى)! بارك الله لنا في عقلاء أمتنا.. ولا أراهم مكروهاً في عزيز لديهم..!!

Email