اطمسوا تاريخنا من تاريخكم ان استطعتم ـ بقلم: عبدالعزيز آل محمود

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 9 شعبان 1423 هـ الموافق 15 أكتوبر 2002 وصلتني الرسالة التالية عن طريق البريد الالكتروني من سيدة عراقية ولم اكن لأنشرها لو لم تطلب هي ذلك، فقد سمحت لي بالتعديل واختيار الكلمات والتصرف على ان احافظ على المعنى العام، فهي تقول: اكتب لك كلماتي وقلبي يتمزق حزنا على ما نحن فيه، اعتقد انك تعرف كيف نعيش نحن العراقيين وخاصة بعد ان اصبحت كلمة الرئيس بوش هي الحاكمة، وليس هناك من يستطيع معارضته، فقد فرضت الولايات المتحدة الاميركية علينا هذا الحصار الجائر الذي اودى بفلذات اكبادنا واموالنا ومرضانا واحبابنا فبأي حق تفعل بنا كل ذلك ؟ ولماذا وضع العالم رقبته بين يدي بوش يسمع له ويطيع؟ لقد شطب العراق، وكأن تلك الدولة العظيمة لم تكن موجودة على مدى التاريخ، نسيها العرب والعالم الاسلامي لمدة اثنتي عشرة سنة، كأنها لم تكن يوما ما مقر الخلافة وحاضرة الدنيا، ولم ترهب جيوشها امبراطور الصين، ولم تدك حوافر خيولها بخارى وبلخ ونيسابور وارمينيا وبلاد الهند، تكاد ترى في كل بلاد الشرق قبرا لمجاهد خرج من بغداد ناشرا راية الفتح، لم لم يحفظ لنا التاريخ ذلك المجد ؟ الم يخرج جيش العراق استجابة لصراخ امرأة في ارض الروم؟ الم تكن بغداد عاصمة الدنيا ودار الخلافة؟ الم يستنشق هواءها هارون الرشيد والمأمون والمعتصم؟ مالذي حصل ؟ نحن ابناء اولئك الاماجد نعاني الامرين لاطعام ابنائنا، ونحك جدران المستشفيات بحثا عن دواء لمرضانا، ونبيع ابواب واثاث منازلنا لنضع خبزا امام اطفالنا، والعالم يضحك ويمرح من حولنا وكأنه لم يقرأ كتب التاريخ التي في متونها تاريخ العراق واهله، احرقوها وانسوا ان هناك عراقا، مزقوا كتب التراث وقصص الخلفاء خير من ان تجملوا بها مكتباتكم، امسحوا العراق من مخيلاتكم وعقولكم، اطمسوا ذلك التاريخ من تاريخكم، وانسوا عذاباتنا حتى لا نعكر عليكم صفو حياتكم، والويل لنا ولكم ان لم تنتبهوا لما يحصل لنا ....... ولكم. تردد بعض الحكومات.. انها ضد نظام صدام وليست ضد الشعب العراقي نقلا عن مايقوله بوش، ولكننا نرى ان كل عراقي يعاقب على انه صدام، فدولة تطردهم واخرى تفكر في ذلك وثالثة توصد ابوابها في وجوههم، لقد هربنا من العراق بحثا عن لقمة العيش ولكننا الان نطارد وكأننا نحمل وباء معدياً ليس له شفاء. انني اناشد من خلالك الدول العربية، لماذا تعاقبوننا بدون ذنب جنيناه ؟ ولم تقفلون ابوابكم في وجوهنا؟ ألسنا مسلمين ؟ هل ذنبنا اننا نحمل الجنسية العراقية؟ ارجوك خذ من كلماتي هذه ما تراه مناسبا واطلقها من عقالها ليقرأها الناس حتى وان لم يفعلوا شيئا فقد توقظ قلبا نائما او تحيي ضميرا به رمق من حياة، او تلامس آذانا سامعة، ارجوك لا تذكر اسمي فقد يكون مصيري اسود، لقد كتبت لك بعد ان عجزت عن الحصول على تأشيرة لزوجي الذي يقيم في دولة عربية اخرى، لقد كتبوا علينا ان نعيش متفرقين، الزوجة في مكان، والزوج على ارض اخرى، والاطفال تظلهم سماء ثالثة، لقد اقتنعت مؤخرا بأن ليس لنا حق العيش كغيرنا، ولا نملك الحق في ان نفرح ونسعد ونأمل ونضحك، انني ابكي عندما ارى امرأة مع زوجها واطفالها، ويتقطع قلبي لأرى زوجي مصطحبا أبناءنا الى المدرسة، اليس من حقي كزوجة ان اغسل ملابس من احب وان انظف المنزل ترقبا لقدومهم، السنا بشرا نستحق الحياة كغيرنا، ارحمونا يرحمكم الله . أخي، انني آسفة لاني طلبت منك ان تنشر رسالتي، فما اريد ايصاله هو ان الانسان لا يجب ان يعاقب بناء على الجنسية التي يحملها، لاننا ليس بيدنا ان نقرر من يحملنا في احشائه، واين نولد، ومن يقطع حبل سرنا، وعلى أي ارض نحبو وتحت أي سماء نكبر، ارجوك مرة اخرى، لا تذكر اسمي، وخذ من كلماتي ما استطعت وانقلها على لساني فقد طفح بي الكيل فبين جنبي قلب يحترق اتمنى ان لا يمتد لهيبه الى عقلي. إن كنت عزيزي القارئ تملك قلبا رقيقا، فستجد ان هناك دمعة على وشك الانحدار من عينك، فقد امسكت تلك السيدة بقلمها وتركته يخط ما يجول في نفسها، فلها قلب مكلوم و جرح عميق لن يبرأ بمرور الزمن. ليس لي ما اضيفه على ماقالته السيدة، فأحيانا يكون من الافضل ان نمزق الاوراق ونرمي القلم ونضع ايدينا على وجوهنا ثم نبكي، والويل لنا ان لم ننتبه لما يحصل . ـ رئيس تحرير «الجزيرة نت» Qatar 877@hotmail.com

Email