الكويت وفلسطين وعشق الحياة ـ بقلم: محمد صادق الحسيني

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 8 شعبان 1423 هـ الموافق 14 أكتوبر 2002 يخطئ من يظن من الغربيين اننا نكره الحياة، والحياة المرفهة بالذات للآخرين أو نحسدهم عليها! ويخطئ أكثر من يظن اننا لا نريدها لنا نحن بالذات وأكثر ترفيهاً مما لديهم هم! وقد نغبطهم على ما أنعم الله عليهم من نعم، ولكن لا نحسدهم كما يظنون. لكنهم يخطئون أكثر فأكثر إن ظنوا ولو للحظة واحدة أننا نستشهد من أجل الموت! أو كرهاً بالحياة! أو رمياً بأنفسنا بالتهلكة أو يأساً! أو إحباطاً! وحدهم أكثر الناس عطاءً وأكثرهم إبداعاً وقدرة على ديمومة الحياة هم الشهداء والاستشهاديون. لكن ذلك لا يتم إدراكه بالمقاييس الفردية ولا بالمقاييس والمعايير التقليدية البسيطة. على المستوى الفردي فقد خسر حياته الجميلة أنس الهاجري قبل أيام في جزيرة فيلكا. من وجهة نظر الاستشهاديين وطلاب «الحياة المستدامة» أحيا «الكويت» الشعب والأمة والعقيدة والقضية المركزية التي ينتمي إليها الكويت مبكراً، ألا وهي القضية الفلسطينية. لا أقول هذا أو أكتبه دفاعاً عن منهج الطالبان أو القاعدة الذي اختلف معه فكرياً وسياسياً، والذي يقال إن أنس الهاجري انتمى إليه أو نشأ فيه «والله أعلم» ولكن دفاعاً عن أنس «الإنسان» رفيق آيات محمد الاستشهادية الفلسطينية التي ودعت أمها يوماً وهي تقول لها بأن «خطيبي» وربما كانت تقصد نداء الملايين من أمثال أنس قد طلبني وأنا ذاهبة إليه وقد لا أرجع لك. فكانت تغرق وتستغرق في عرسها الاستشهادي في اليوم الثاني. وهو حال المئات ممن صنعوا هذا الشلال الهادر الذي وحده على ما يبدو استطاع ان يوقف حالة الانهيار التي تعيشها أمتنا العربية والإسلامية في زمن الغلبة العسكرية والأمنية للتتار الجدد. وإذ أقَبل أيادي الاستشهاديين المدافعين الحقيقيين عن قضايا الأمة وأنحني أمامهم إجلالاً وإكباراً لروحهم المفعمة بحب الحياة، فإنني لا أدافع مطلقاً عن أي شكل من أشكال القتال أو الاقتتال الداخلي أو أي شكل من أشكال الاحتراب أو الحروب الأهلية حتى وإن سُمي «مقاتلة الظالم» أو «حرب التحرير» أو «المقاومة الشعبية» في هذا القطر أو ذاك من أقطارنا العربية أو الإسلامية فشتان بين هذا وذاك، والمسافة بينهما قد تصل أحياناً إلى درجة الفرق بين الثرى والثريا! وقد يكون هؤلاء طلاب «حياة» كاذبة اسمها السلطة والجاه والثروة فيما أولئك طلاب حياة حقيقية اسمها خلود الأمم وإعلان حقيقي لحقوق الإنسان وشرف الإنسانية الذي تدوسه هذه الأيام قوات جنكيز خان الشارونية المجنزرة المدعومة بعيون أميركية عمياء وقلوب لا تبصر إلا نفط العراق ومنابع الطاقة الرخيصة في الخليج والشرق الأوسط. أظن ان الملايين قد استمعوا إلى شقيق أنس الهاجري وهو يحدثهم عبر إحدى القنوات الفضائية عن صفات أخيه الوادعة والحالمة بالحياة الأبدية، وهو الذي كان يعيش حياة «مرفهة» لا شك في الكويت، وكيف انه لم يستطع تحمل متابعة شلال الدم الذي يهدر في فلسطين أمام عينيه يوميا والعالم من حوله ومن حول فلسطين لا تهتز له شعرة وكأنه ميت «ولا حياة لمن تنادي. فهل يعقل بعد ذلك ان نفسر العمليات الموجهة ضد «من هم متورطون» في استعمارنا أو غزونا أو احتلالنا او استيطاننا أو نهبنا واستغلالنا بأنها ما هي الا حركات يائسة لأناس محبطين! يدفعهم الحسد والكراهية لكل ما هو رفاهية وتقدم ومدنية وتطور وعمران ونمط حياة مزدهرة بالحرية والديمقراطية؟؟!! كما يحاول توماس فريدمان وامثاله من الكتاب والصحفيين الأميركيين المتحاملين على حضارتنا وثقافتنا الاسلامية والمتعطشين لرؤية دماء شعوبنا تسيل امام زحف تحالف ـ بوش شارون باتجاه العالمين العربي والاسلامي باسلوب «شعبة الديوك» كما يسميها في اخر مقال له في النيويورك تايمز. ثم يريد ان يبرر لنا ذلك بأنه «استدعاء محمود ومطلوب للحرية والديمقراطية!!». الانكى من ذلك هو ما بدأ يتردد على لسان بعض أبناء جلدتنا وبطريقة تقشعر لها الابدان كما يشير الى ذلك بعض المطبعين، الذين يستنكرون حق الفلسطينيين بالعمليات الاستشهادية!! ويدعون الى بناء شرق أوسط جديد!! وفي الغالب خال من القيم والمبادئ الا اللهم قيم ومبادئ شيمون بيريز وأمثاله من قتلة اطفال لبنان وفلسطين والذين هم بالمناسبة الاصحاب الشرعيين لهذه المقولة الخطرة على مستقبلنا جميعا. نحن اتباع دين سلام ومساواة وعدل وحوار نعم والف نعم، وخالقنا ربنا الأعلى وهو القادر على كل شيء وان يقول لكل شيء كن فيكون، لم يمسح اسم ابليس من القرآن الكريم وكان باستطاعته ذلك، ولم يحله على التقاعد مبكرا كما يفعل بعض حكامنا مع كل من يختلفون معه، بل قال له «انك من المنظرين» كل هذا نعم، لكن الذي علمنا كل ذلك علمنا المقاومة ايضا. وعلما ايضا بأنه «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعا». واستشهاديونا انما يقتلون من لا يمارس فعل البراءة او فعل المدنية في الواقع «حتى وان بدا ظاهره كذلك في شوارع أو أزقة فلسطين 48» بل من يمارس فعل الاغتصاب والاحتلال والعدوان ومن هو مشروع مستوطن او مشروع جندي من جنود الغزاة والتتار الجدد، وشبابنا وبناتنا لا يكرهون الحياة ولا يرمون بأنفسهم للتهلكة ولا يكرهون مظاهر الرفاهية والتقدم والعمران، بل يحبون الحياة اكثر من نظرائهم الغربيين، ويعشقونها عشقا الى درجة الاستشهاد من أجلها. انهم اعلان مدو ورغبة جامحة لحق الحياة ينبغي احترامه وتقديره ودراسته دراسة علمية متقنة لعله يساعد ارباب «الحضارة المادية الغالبة فعليا» للخروج من عنق زجاجة «نهاية التاريخ» وأوحال الجغرافيا. ـ أمين عام منتدى الحوار العربي الايراني

Email