خط مباشر ـ بوش يراجع حساباته ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 5 شعبان 1423 هـ الموافق 11 أكتوبر 2002 هل بدأت ادارة بوش بالتراجع عن ضرب العراق؟ إذا كانت الاجابة عن هذا السؤال بالايجاب فان اول مؤشر يمكن ان يستدل به على تغير الموقف الاميركي هو الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش مساء الاثنين والذي سبقته تهيئة اعلامية مكثفة وواسعة النطاق لكي يترقبه الناس في الولايات المتحدة والعالم. فقد خلا حديث الرئيس للمرة الاولى منذ أن بدأت حمى الحملة الاميركية الشرسة ضد العراق م الاشارة التقليدية الى الاطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، بينما اشتمل الخطاب في الوقت نفسه على عبارة باستبعاد حتمية الحرب. ورغم ان واشنطن لم تتوقف عن دق طبول الحرب على الصعيد الاعلامي إلا أن الامر فيما يبدو اخذ يختلف على الصعيد الدبلوماسي.. بحيث نستطيع ان نقول لحين اشعار آخر ان ادارة بوش بدأت تتراجع عن حافة الحرب. لقد خسر بوش المعركة الدبلوماسية الدولية على صعيد مجلس الامن الدولي وعلى صعيد العلاقة مع الحلفاء الغربيين في الاتحاد الاوروبي. هذه حقيقة مؤكدة. وهذا الخسران الدبلوماسي السياسي هو الذي دفع بالادارة الاميركية الى مراجعة حساباتها بشأن خطة الحرب ضد العراق. خطاب الرئيس تميز بانتقائية لفظية دقيقة بحيث يكتسي المعنى ثوب تهديد ظاهري دون أن يطمس السبك اللفظي حقيقة المنحى التراجعي العام للخطاب. فكل عبارة حدة في سياق الخطاب تشفع في السياق نفسه بعبارة تنازلية تذهب بأثر الحدة ـ أو تكاد ولننظر في بعض الفقرات. قال الرئيس الاميركي: «ان زمن النفي والتهرب والتأجيل قد ولّى. يجب ان ينزع صدام حسين اسلحته وإلا، من اجل السلا،، سنقود تحالفا لنزع اسلحته». لاحظ أنه بينما يتوعد بوش العراق بقيادة تحالف ضد بغداد فان بناء هذا التحالف سيكون، لا من اجل شن حرب ضد العراق.. وانما «من أجل السلام».. وبهدف «نزع الاسلحة» لا بهدف الاطاحة بالنظام الحاكم. وكأنما اراد بوش زيادة هذا المعنى وضوحاً فأتبع هذه الفقرة مباشرة بفقرة قال فيها ان نزع سلاح العراق «قد لا يستدعي عملاً عسكرياً».. (رغم انه اضاف ان ذلك «قد» يحصل). ولكن كيف يبرر الرئيس بوش تراجعه عن خط الحرب ضد العراق بعد ان عمد خلال الاسابيع الاخيرة الى تعبئة الاميركيين والعالم لتأييد النهج العسكري؟ وقد اجاب خطاب الرئيس على هذا السؤال ضمنا. فالنظام العراقي، وفقاً للرئيس «قد يحاول اتخاذ اجراءات يائسة وفظة» اذا واجه احتمال السقوط.. اي ان النظام قد يستخدم اسلحة الدمار الشامل في حالة الحرب.. وبالتالي فان خيار الحرب مخاطرة جسيمة. في تصميمه على شن الحرب كان الرئيس الاميركي يراهن على الظفر بالدعم الكامل أو شبه الكامل على جبهتين للعمل الدبلوماسي: جبهة الحلفاء في الاتحاد الاوروبي وجبهة مجلس الامن الدولي. وقد حاقت به الخسارة في الجبهتين. فقد تراوح رد فعل الدول الاوروبية بين التأييد الفاتر المتردد والرفض الشرس الصريح. وكان في مقدمة المعارضة أكبر قوتين اوربيتين: المانيا وفرسا. وقد بلغ الامر بمستشار المانيا جيرهارد شرويدر انه دخل منافسة الانتخابات العامة الالمانية تحت شعار معارضة الهجوم على العراق.. وحقق الفوز. اما المعارضة الفرنسية فقد كانت ازدواجية.. موقف فرنسا كقطب أوروبي وموقفها كاحدى الدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الامن الدولي. داخل مجلس الامن الدولي تصدت فرنسا لمشروع قرار اميركي يتضمن شروطا تعجيزية على العراق الوفاء بها، ومن ثم يتضمن تفويضا لكل دولة عضو في المجلس باستخدام كل الوسائل (بما فيها القوة المسلحة) ضد العراق اذا رفضت بغداد الشروط أو تلكأت في تطبيقها. ولمدى اسبوعين عجزت الولايات المتحدة عن وضع مشروع قرارها على طاولة المجلس بصورة رسمية، لأنها وجدت نفسها في مواجهة جبهة معارضة ثلاثية تتكون من فرنسا وروسيا والصين ترفض في عناد أي توجه نحو شن حرب تلقائية ضد العراق. وربما زاد من توجس الادارة الاميركية ان هذه المعارضة الثلاثية صارت جهرية عالية الصوت بعد أن شابها التردد سابقاً. وعلى خلفية المعركة الدبلوماسية الاميركية الخاسرة في مجلس الامن الدولي اخذت العواصف تتجمع على الافق العالمي العام ضد الولايات المتحدة: مظاهرات عارمة في الغرب من بريطانيا الى ايطاليا واليونان.. امتدت الى استراليا.. وحتى الى داخل الولايات المتحدة نفسها. ومعركة داخل البرلمان البريطاني وفي مؤتمر حزب العمال الحاكم تنطوي على هجوم عنيف ضد رئيس الوزراء توني بلير الحليف الاول للرئيس بوش. واذا كان هذا هو الحال حتى قبل ان تطلق واشنطن رصاصة استهلاليه ضد العراق، فكيف يكون الحال اذا دخلت الولايات المتحدة مخاطرة شن الحرب فعلا؟ هذه هي الحقيقة التي يبدو الأن ان الرئيس بوش بدأ يتفكر فيها بعمق.

Email