خط مباشر ـ السودان وأريتريا ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 3 شعبان 1423 هـ الموافق 9 أكتوبر 2002 ادعاء حكومة اريتريا بألا علاقة لها بالهجوم الأخير الذي شنته قوة تابعة للجيش الشعبي لتحرير السودان قد يصح وقد لا يصح. لكن تظل هناك حقائق ثابتة لا مجال لانكارها لأنها ـ ببساطة ـ حقائق مرئية. أولى هذه الحقائق ان هذا الهجوم الذي شن على بلدتين سودانيتين على الخط الحدودي السوداني مع اريتريا انطلق من داخل الأراضي الاريترية، وإلا فإن القوات المهاجمة لابد ان تكون قد هبطت من كوكب المريخ! ولأن الهجوم انطلق من الأراضي الاريترية فلابد ان يكون للجيش الشعبي لتحرير السودان معسكرات حدودية داخل اريتريا. ثم ان للجيش الشعبي محطة اذاعية ينطلق بثها من استوديو وجهاز ارسال داخل اريتريا. وعندما يجد الرئيس الاريتري أفورقي نفسه في مواجهة اسئلة إعلامية بشأن هذه الحقائق فإنه عادة يعطي تبريرين لا يتفوق على غرابتهما إلا تناقضهما الفاضح. فهو تارة يقول ان الثورة الاريترية مدينة للشعب السوداني لوقوفه معها حين كانت قوات الثورة تناضل من أجل الاستقلال، مما يتطلب من أسمرا رد هذا الجميل بمساعدة المعارضة السودانية في مواجهتها ضد «النظام الاسلامي المتطرف» في الخرطوم. وتارة اخرى ينفي أي علاقة دعم اريتري للمعارضة السودانية، فيذهب الى القول ان اريتريا على عكس ذلك تسعى بالخير بين طرفي الحكم والمعارضة لتحقيق تصالح سوداني واحلال السلام. وإذا كان التناقض واضحاً في هذا الطرح الازدواجي فإن وجه الغرابة هو ان تنصب دولة مستقلة ما من نفسها وصياً على الشئون الداخلية لدولة مستقلة أخرى. إن النظام الأريتري لا يمكن على الاطلاق ان يكون مؤهلاً لدور وسيط حيادي ونزيه بين الحكم والمعارضة في السودان، لأنه ببساطة اتخذ سلفاً موقفاً انحيازياً الى الطرف المعارض. ولننظر في الوجه الآخر للعملة: هل يقبل الرئيس أفورقي ان يجعل النظام السوداني الحاكم في نفسه وصياً على الشأن الأريتري فيفرض على أريتريا وساطة خارجية بين النظام والمعارضة في أسمرا؟ لو وصل تيار المعارضة الداخلية في اريتريا الى مستوى أعلى هيئة في الحزب العام.. هل يقبل الرئيس الاريتري ان يستضيف السودان معسكرات للمعارضة الاريترية ـ خاصة شقها الاسلامي ـ تنطلق منها هجمات على أهداف داخل الأراضي الأريترية؟ ولكن لماذا يتحرش النظام الاريتري بنظام الحكم الراهن في السودان؟ هناك سببان: موضوعي وذاتي، وكلا السببين ينبع من كون ان النظام الاريتري يجد نفسه مضطراً على الدوام الى افتعال أزمة خارجية في الجوار الجغرافي مع هذه الدولة أو تلك من أجل التغطية على أزمة الحكم الداخلية. .وهذه أزمة تنبع بدورها من ان الحزب الحاكم وسلطة الدولة يمثلان أقلية مسيحية تفرض نفسها على أغلبية المسلمين من ذوي الثقافة العربية بين الشعب الاريتري. هذا يقودنا الى السبب الذاتي، وهو يتمثل في انزعاج النظام الاريتري من أي نظام حكم في السودان يحمل شعارات اسلامية ولا يتعلق الأمر في هذا السياق بتخوف من ان نظاماً اسلامياً في الخرطوم قد يكون من بين أجندته تعمد استثارة الاغلبية المسلمة في اريتريا ودعوتها الى التمرد على نظام أسمرا المسيحي.. وإنما يتخوف الرئيس أفورقي من ان مجرد وجود نظام اسلامي في الخرطوم يمكن ان يكون مصدر الهام للأغلبية الاريترية المسلمة كنموذج يجب ان يحتذى به حتى لو لم يلتفت ذلك النظام صوب أريتريا. على الصعيد اللوجستي السياسي فإن وساوس النظام الاريتري تنعكس على طبيعة تعامله الازدواجي تجاه فصائل «التجمع» السوداني المعارض بحيث يمكن ان يقال ان دعم الرئيس أفورقي لحركة قرنق المسيحية ينطلق من رؤية استراتيجية ثابتة، بينما دعمه لحزب الطائفة «الختمية» الاسلامية الجذور بزعامة محمد عثمان الميرغني، ومن قبله حزب الأمة ذو التوجه الاسلامي بزعامة الصادق المهدي، ليس سوى دعم «تكتيكي» مرحلي، فالنظام الاريتري أسير «فوبيا» تجفل من أي شيء يتعلق بالاسلام من قريب أو بعيد. ولا ينبغي أن يكون مصدر ادهاش ان هذه الرؤية الاريترية الازدواجية الى «التجمع» تتطابق تماماً مع رؤية حركة قرنق. وإذا كان قرنق نجح في استقطاب فصيل «التحالف» المسلح بقيادة العميد عبدالعزيز خالد فلأن «العميد» في الحقيقة باع نفسه لحركة قرنق بدمج قواته مع قوات «الحركة» وتحت قيادة جون قرنق. وعندما تقول الحكومة الاريترية انه لا علاقة لها بالهجمات التي تشنها قوات «الجيش الشعبي لتحرير السودان» على أهداف حدودية سودانية من حين لآخر فإن المتابع ليعجب من مدى الاستخفاف بالعقول الذي ينطوي عليه مثل هذا القول.

Email