بدون عنوان ـ تكتبها: مريم عبدالله النعيمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 3 شعبان 1423 هـ الموافق 9 أكتوبر 2002 نعلم ان التشخيص جزء من الحل، كما نعلم ان اكتشاف الخلل مدعاة الى اصلاح الوضع الذي يظهر فيه ذلك الخلل. واذ نركز على الدور النوعي الخاص الذي يمثله بعض الاساتذة الجامعيين في تكوين البنية النفسية والفكرية القادرة على الارتقاء بشخصية الطلاب والطالبات، ففي الوقت نفسه نريد استنساخ نجاحات التجربة الجامعية، وانظمتها المواتية لتفعيل العلاقة العلمية بين الطالب في المدرسة وبين معلميه، في مساحة اوسع، ومع شريحة من الطلاب والطالبات تفوق في عددها امثالها من طلاب وطالبات الجامعة!! والمؤسف ان الانظمة المدرسية الحالية لا تسمح بوجود فراغ من الوقت يمكن للطالب ان يلتقي من خلاله باساتذته في اجواء بعيدة عن رسميات الحصة المدرسية التي يستهلك وقتها بالكامل في شرح مفردات المقرر المدرسي. وقد غاب عن وعي الادارات المدرسية كما غاب عن وعي مشرعي النظام المدرسي المرتبط بتوزيع اوقات الدوام الرسمي ان نظام الحصص على وضعه الحالي لا يسمح للمعلم بممارسة ادواره التربوية على النحو الصحيح والسبب المباشر في اضعاف الدور التربوي للمعلم هو النظرة الاحادية التي تعتمد على فلسفة تختزل ادوار المعلم في مهمة واحدة هي انجاز المقرر الدراسي وفق الخطة الزمنية التي تستغرق في العادة ـ عاما دراسيا كاملاً ولا تترك مساحة للاضافة او التجديد، او لخلق اجواء اخرى بعيداً عن النمطية والالتزام ببرامج زمنية محددة اصبحت بهذه الكيفية جزءاً من الارث التعليمي القديم الذي يحتاج الى ثورة تصحيحية تعيد ترتيب الاولويات، وتراعى الادوار الغائبة التي ينبغي استدعاؤها لتأخذ موقعها على الخارطة التعليمية!! ومن اجل تكريس مبدأ «المقرر المدرسي اولا واخيراً» تعمل الادارات العليا في وزارة التربية، ويعمل الموجهون الاوائل، ومن خلفهم موجهو المواد الدراسية، ومعهم المناطق التعليمية لانجاز ذلك الشعار المرفوع الذي بدا وكأنه حلم نهائي اذا ما تحقق ـ وهو يتحقق في كل عام ـ فان بامكان الجميع ان يستروحوا نسائم الامل بعد طول عناء!! وقد ركب المعلمون الموجة، وواصلوا شد الاحزمة وحبس الانفاس التي بدت منهكة من كثرة ما روجعوا من اداراتهم، وموجهيهم في موضوع الالتزام بمفردات المقرر المدرسي!! حتى اذا ما ادى احدهم الواجب الذي طولب به آلاف المرات، وانهى الدرس الاخير رفع يديه الى السماء شاكراً مبتهلاً على ما حققه من انجاز لا يراوده الشك بأنه الانجاز الاكبر والاهم في هذا الميدان الفسيح!! وقد ترتب على هذه السياسة القاصرة جملة من ردود الافعال السلبية التي تمثلت في انخفاض عوائد المخرجات التعليمية على المستوى السلوكي والتحصيلي اظهر عجز المناخ المدرسي، والبيئة التعليمية عن احتواء الجيل الذي وضع امانة بين يدي القائمين على مسألة التعليم، واكد بما لا يدع مجالا للشك ان البيئة التعليمية اصبحت بيئة طاردة لا جاذبة لقطاع من الدارسين، الذين لم يعد يعجزهم ان يتسوروا جدران المدارس، ويتسلقوا النوافذ، ويهربوا من الابواب الخلفية ليتسكعوا في الازقة والحواري معلنين مواصلة رحلة السقوط المريع التي بدأتها اجيال مروا بنفس الظروف، وآل امرهم الى الانحراف!! ففي مقابل شح الوقت عن سماع رسائل الجيل المتفرقة والمتناثرة والتي لا يجمعها خيط واحد شحت العوائد والنتائج المترتبة على ذلك النوع من التعامل السطحي، واصبح النقص في الوقت المخصص للحوار مع الطلاب هو علامة بارزة على النقص من المعين التربوي الذي جف نهره عن الجريان، وتصحرت الحياة من حوله في ربيع العمر الذي سرقته الغفلة عن اولويات مرحلة البناء والتأسيس!!

Email