يجب أيضا أن نصحح نظرتنا للغرب! ـ بقلم: د. أحمد القديدي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 2 شعبان 1423 هـ الموافق 8 أكتوبر 2002 صدر استجواب لأحد الدعاة المسلمين المعروفين بفصاحة اللسان وبلاغة البيان على أعمدة احدى الصحف الخليجية يحمل صورة الشيخ الشاب وعنواناً كبيراً على ستة اعمدة يقول: «ان الغرب يتفوق علينا في العلم والتقدم ونحن نتفوق عليه بالايمان» ويأتي الحديث محللاً لهذه النظرية العجيبة يوحي بحسن النّية وسلامة الطوية وبالاطمئنان المطلق جداً لتفوق المسلمين بالايمان وتفوق غير المسلمين بالعلم والتقدم. ولم أكن لأثير هذه القضية لولا معرفتي بأن كثيراً من شبابنا ـ وبنفس حسن النية وسلامة الطوية ـ يقنعون بالاطمئنان الى هذه المعادلة ولا يحاولون تجسيد ما جاء في آية من آيات القرآن الكريم (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). وان خطر اعتقاد كهذا يكمن في دعوة المسلمين للراحة وصفاء الذهن بينما نحن في تقاطع طرق حضارية حاسمة فإما ان ننهض بالايمان نعم ولكن أيضاً بالعلم والتقدم وأما ان نضل السبيل بالاقتناع بأننا نتفوق بالايمان وحده دون العمل على الاسهام في العلم والتقدم كما كنا من قبل حينما كان العالم من أوروبا أو الصين لا يسمى عالماً الا متى تعلم اللغة العربية وعلومها. وقد سار بنا الاستعمار القهقري لمدة قرن كامل فنهب خيراتنا وحجّر عقولنا ثم جاء الاستعمار الامبريالي فوطد في نفوسنا الرضوخ والخنوع اي انه ابعدنا عن مقاصد شريعتنا الداعية الى قوة العلم ومنعة التقدم مع ايمان راسخ وعزم عتيد. وان الانسان ليحار وهو ينتقل من قناة تلفزيونية اميركية الى قناة المانية الى الفرنسية الى اليابانية فيجد بالطبع الرقص والغناء ـ الذي اخذناه عنهم وسبقناهم فيه على كل فضائياتنا العربية الا من رحم ربك ـ ونجد الترفيه والتسلية لكننا نجد اخبارهم عن احدث/ موليكيل أو جزيئية بيولوجية تم اكتشافها لمعالجة السرطان وهي ذات ميزة فريدة حيث تستهدف الخلايا المريضة دون الخلايا السليمة وستجدون هذا الدواء في الصيدليات منتصف عام 2003. كما نجد خبر توصل علماء فرنسيين الى اكتشاف الماء قريبا من سطح المريخ على بعد مئات الامتار مما يمكن معه توقع وجود نوع من انواع الحياة.. ونجد كذلك على القناة اليابانية حديثاً عن تطعيم سيقضي على وباء الملاريا نهائيا كما أننا نشاهد على فضائيات الغرب برامج أدبية وفكرية وثقافية وتربوية تتبارى فيها عقول حرة ومبدعة.. فالبحث العلمي هناك ـ ومع الاسف في اسرائيل ايضا ـ يأخذ نصيب 8 بالمئة من الدخل الوطني بينما يأخذ في الدول العربية والاسلامية 8 بالألف أي أقلّ عشر مرات. ثم ان الاقرار بدون بينة بأن المجتمعات الغربية هي فاقدة للايمان اراه اقرارا متعسفاً وناتجا عن قراءة ايديولوجية خاطئة. ففي نفس هذه المجتمعات من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الاميركية واليابان ـ اذا اعددنا اليابان في المنظومة الغربية ـ نرصد منذ ثلاثين عاماً صحوة أخلاقية كبرى تعارض الفلسفات المادية وتناقضها وهذه الحركات الاخلاقية تجلت في المنظمات غير الحكومية المناضلة من أجل حماية البيئة مثل منظمة السلام الأخضر (جرين بيس) التي سقط منها مناضلون ضحية الملاحقة الجائرة، وأشباه هذه المنظمات كثيرة لمقاومة تدمير الغابات وتلويث البحار وتوسيع ثقب الاوزون ومقاومة مافيا المخدرات والتدخين.. وهي قضايا كونية ينتفع بها الغرب وننتفع بها نحن.. وهناك مئات المنظمات لمناهضة الإجهاض اصبحت مؤسسات اخلاقية قوية من اجل حماية الأجنة وحقهم في الحياة.. ومع الاسف فالاجهاض تبيحه قوانين بعض الدول المسلمة تحت شعار «اللحاق بالغرب..!» وما هو لحاق بالغرب بل لحاق بالخزي. ونرصد في عواصم الغرب كذلك وحتى في أميركا قوى سياسية صاعدة اصبحت تناصر حقوق الشعب الفلسطيني وتدعو لخروج مظاهرات تنادي بلجم المجنون شارون وعودة واشنطن لمواقف العدل والحق. كما نلاحظ في المجتمعات الغربية هذه السنوات الأخيرة حركات انسانية واخلاقية تناهض العولمة المتوحشة وسيطرة أرباب التجارة وطواغيت السوق على الضمائر والذمم.. وقد برز رئيس فيدرالية المزارعين الاوروبيين جوزي بوفي كرمز من رموز مقاومة الهيمنة الاميركية باسم العولمة وكذلك نظم المرشح للرئاسة الاميركية ليندن لاروش حملة شعواء على ارهاب العالم باسم مقاومة الارهاب بلا ضوابط، ونظمت السياسية الالمانية القديرة هلجاز يلب حملة اعلامية لمناهضة تصدير العنف الاميركي عبر شرائط الفيديو واقراص الليزر والعاب الاطفال الالكترونية.. ونحن بصراحة في العالم العربي الاسلامي لم نقم بهذه المناهضات المنظمة الهادفة.. الا قليلاً مع اننا مستهدفون اكثر من غيرنا لعمليات غسيل الأدمغة والتلاعب بالعقول.. واني اتساءل ماذا يعنيه شيخنا حين يقول انا نتفوق بالايمان بل يجب ان يدعو الى اعمال العقل لتنزيل ذلك الايمان على الواقع الاسلامي فيغيّره مما هو فيه من تخلّف الى ذلك التقدم الذي ذكرتُ بعضاً منه لدى الغرب.. ومما هو فيه من استهلاك سلبي لأغلب منتجات ذلك الغرب من السيارة للطائرة لجهاز السكانر والكشف الليزري بالمستشفى لمختلف أنواع الادوية التي تخفف آلامنا وتطرد امراضنا وصولا الى برمجيات الكمبيوتر التي لولاها لما وجدنا مكانا في هذا العصر. الحقيقة كذلك ان لدينا نحن العرب حوالي عشرة آلاف عقل مهاجر يعملون في جامعات ومختبرات ومراكز البحوث في الغرب وحتى في وكالة الفضاء القومية الاميركية (الناسا) وكذلك لدينا جوائز نوبل مثل أحمد زويل.. وهذا بذاته موضوع يستحق المراجعة حتى نستعيد هذه العقول ونوفر لها الكرامة ووسائل البحث. لقد آن الاوان ودقت ساعة الحقيقة لنراجع النفس الامارة بالسوء ونتدارس فقه المقاصد والاولويات ونضع انفسنا موضع النظر بالدراسة والتمحيص ونطلق الفكر المبدع من عقال الجمود والرضا والطمأنينة ليدخل مرحلة الحيرة الايجابية بالايمان نعم.. وايضا بالعلم والمعرفة والاسهام في صنع الحضارة. ـ استاذ الاعلام ـ جامعة قطر ahmed2701@hotmail.com

Email