صدور قانون أميركي حول القدس ـ بقلم: د. علي عقلة عرسان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاثنين 1 شعبان 1423 هـ الموافق 7 أكتوبر 2002 وقع الرئيس الأميركي قانوناً أميركياً أقره مجلسا الكونغرس منذ سنوات، يقول بالقدس ـ عاصمة فلسطين وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ـ عاصمة للكيان الصهيوني، وشفع الرئيس ذلك التوقيع برسالة خداع يصدّرها للعرب والمسلمين ليزيد من جرعة الوهم التي يقدمها لهم حول نوايا الولايات المتحدة الأميركية وسياستها في موضوع القدس خاصة وقضية فلسطين عامة. وموقف تلك الدولة البشعة لا يختلف عن موقف أعتى الصهاينة في موضوع القدس ولكنه يعتمد طريقة الخداع للمساهمة في تمرير المشروع الصهيوني القذر خطوة خطوة ومرحلة بعد مرحلة. ولما كان الساسة العرب لا يملكون للقدس سوى الكلام، ويتهجد بعضهم على أعتاب الرئيس بوش بنشيد «السلام» المتهالك، ويؤيدون نواياهم تلك بإعلان قمة بيروت 28 مارس 2002 من جهة وباستعدادهم لخوض حرب معه ضد العراق أو لتسهيل مهمته في تلك الحرب إذا ما «انتزع» قراراً بشأنها من مجلس الأمن الدولي، الذي يسيطر عليه كلياً ـ من جهة أخرى، ولا يملكون قراراً مبدئياً حول مدينة من أقدم المدن التي أنشأها أجدادهم اليبوسيون، وهم فخذ من الكنعانيين العرب، عام 3200 ق. م فضلاً عن كونها من أقدس مدنهم، فإنني أود أن أقدم شيئاً من تاريخ المدينة العزيزة على القلب ليس منذ بداية النشأة ولكن منذ تحريرها على يد الفاتح صلاح الدين الأيوبي، لكي نرى بأي حق نفرط وبأي وهم يتمسك أعداؤنا و«ينتصرون» بفعل بطش القوة التي نبدو أحوج ما نكون لها اليوم لنحتمي بها من مشاريع الإبادة المادية والروحية، ولندافع عن أنفسنا ومقدساتنا ومصالحنا ضد الهمجية والموت اللذين يمثلهما السيد الأميركي البشع وظله الإرهابي المتوحش في فلسطين المحتلة. وأقدم هذا الموضوع على ما ينبغي تقديمه في ذكرى حرب اكتوبر لأن باباً من الحرب يدق علينا الباب ونحتاج إلى رعشة اكتوبر القومية في كل وقت من أوقات الانتفاضة وأوقات القدس التي تستقطب كل ما يتعلق بالحرب والسلام والذاكرة والوجدان في عالم العرب اليوم، وهي تحيي في النفس ذكرى اكتوبر وتطالب بان نعد أنفسنا لاكتوبر آخر وآخر لا تخترقه النوايا السيئة والاستراتيجيات المزدوجة ولا من يسمسرون على الأمة وقضاياها في أوقات الشدة شأن ذاك الذي ذهب ليخبر غولدا مايير قبل عشرة أيام من حرب اكتوبر بأن مصر وسوريا ستشنان عليها حرباً؟! نظيفة من اليهود لم يكن يقيم في القدس، يوم حررها صلاح الدين، يهودٌ فقد مُنِعوا من السكن فيها من عام 135 م إلى 614 م حين أعادهم إليها الفرس على يدي خسرو، وبقوا فيها، مع سكانها من العرب، ثلاثة عشر عاماً حتى 627 م حين ذبحهم هرقل الذي استعاد السيطرة على القدس من الفرس. وبقي اليهود خارجها تنفيذاً لطلب المسيحيين في العهدة العُمرية إلى حين تحرير صلاح الدين للمدينة عام 1187 م على الأقل؛ أي أنهم مُنِعوا من السكن فيها ( 1052 ) سنة متوالية على الأقل بعد السبي الأول والثاني وبعد حوادث كثيرة أخرى. ولا أظن أن حكام الفترات التي تلت ذلك، سمحوا لهم بالإقامة فيها لا سيما بين 1229 م يوم سلمها الملك الكامل إلى الإمبراطور فريدريك الثاني واستردها الناصر ثم سلمها، واستعادها الخوارزميةُ من الإفرنج عام 1244م. وبقيت القدس نظيفة من اليهود، فيما أقدر، في عهد المماليك وفي العهد العثماني الأول، الذي ابتدأ عام 1516م؛ ولكن التسلل اليهودي المدروس إليها بدأ عبر ضعف الإمبراطورية العثمانية وانحلالها، وتكاثف مذ سيطر الأوروبيون على القرار العثماني، وأصبح لليهود الدونما دور مؤثر في ذلك القرار. ويمكن الإقرار هنا بأهمية وخطورة ما قاله برنارد لويس في 18/11/1993 في فلسطين المحتلة إذ قال: «منذ نابليون وإخراجه من مصر بقوة بريطانية فُتِح عصر جديد في المنطقة - يعني الشرق الأوسط - تحدد في إطاره مصير السكان لا بواسطة حكوماتهم بل بواسطة قوات أجنبية». ولم يأت ذلك الواقع المفزع من فراغ ولا هو حدث بين عشية وضحاها، وإنما تم التمهيد له والعمل على برامج تؤدي إليه، بصبر وحزم واستمرار. ومن ينظر إلى الإرساليات والبعثات التبشيرية، وإلى الجمعيات والمؤسسات التي أنشئت في أوربا للتبشير في «أرض التوراة العثمانية» منذ القرن السادس عشر ـ تلك التي فتحت لها الإمبراطورية العثمانية أبواب البلاد، عن وعي منها أو عن غير وعي - وإلى المشاريع والمخططات الاستعمارية التي تحرك اليهود و يحركها اليهود؛ من يفعل ذلك يشعر بالتأسيس لمشروع كبير يستهدف المنطقة كلها وقلبَها القدس الشريف. وقد تبلور هذا المشروع في «إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين» حضنت فكرته الأولى بريطانيا، وتابع العمل فيه المؤتمر الصهيوني الذي عقد دورتَه الأولى في بال بسويسرا عام 1893م. وتفيدنا الأرقام الآتية في الوقوف على تطور عمليات التسلل الاستيطاني اليهودي إلى القدس، تمشياً مع نمو المشروع الصهيوني - الغربي وتطوره. بين القرنين الثاني عشر والسابع عشر الميلاديين راوَحَ عددُ اليهود في القدس بين شخص واحد وخمسمئة شخص، وفي نهاية القرن السابع عشر تقريباً ( 1688) كان عددهم ( 150) شخصاً. ووصل ذلك العدد عام ( 1831 م) إلى ثلاثة آلاف شخص، وعندما سمحت السلطنةُ العثمانية لليهودي الإنجليزي موسى مونتفيوري بشراء أرض في القدس عام 1855 ارتفع العدد ليصل عام 1890 م إلى ( 30200 ) شخص. ولم يقتصر ازدياد عدد اليهود على القدس، بل شمل مناطق أخرى من فلسطين، وبقي قليلاً إذا ما قيس إلى الفترات اللاحقة. استمرت تبعية القدس للإمبراطورية العثمانية إلى أن انهارت تلك الإمبراطورية في الحرب العالمية الأولى وتمزقت، وقد استولى البريطانيون على القدس عام 1917 م حين استسلمت المدينة؛ وكان يشرف على الدفاع عنها اللواء علي فؤاد باشا، استسلمت للجنرال اللنبي فدخلها صباح التاسع من شهر ديسمبر 1917م. ولم تفقد المدينة المقدسة طابعها العربي - الإسلامي طوال العهود الماضية بما فيها العهد العثماني الذي امتد أربعمئة سنة بين ( 1517م- 1917 م) بل بقيت محافظة على شخصيتها وعلى انتمائها ونسيجها العمراني والسكاني اللذين يؤكدان هويتها العربية ومكانتها المقدسة. بلفور المشؤوم وحين وقعت في الأسر الاستعماري من جديد، كان البرنامج الاستيطاني - الصهيوني معداً وممولاً، وكُلفت بريطانيا بتنفيذ وعد بلفور المشؤوم، الذي وضع صيغته البريطاني من أم يهودية ايمري ـ واليهود يأخذون بنسب المولود للأم ـ وأقرته الحكومة البريطانية باقتراح ومتابعة من بلفور وزير الخارجية، وتبنته عصبة الأمم عند إنشائها عام 1920 م وأصبح «خطة دولية» تقف وراءها الصهيونية والغرب الاستعماري المتصهين كله !! والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي: الذي نمت في أحضانه الهجرة اليهودية إلى فلسطين والاستيطان الملتصق «بأرض الميعاد». وكلّفت بريطانيا اليهودي الصهيوني (هربرت صموئيل ) بمهام الإشراف على التنفيذ بصفته أول مندوب سامٍ لها في القدس. وفي ظل الوصاية البريطانية - تنفيذاً لاتفاق سايكس، بيكو وقرار الحلفاء وعصبة الأمم - سجل الاستيطان الاستعماري اليهودي الأرقام الآتية في القدس وحدها، عدا الانتشار اليهودي المنظم في فلسطين: 1920م -30000 شخص، 1931 م- 51222 شخصاً، 1945 م - 97000 شخص، 1947 م - 99400 شخص. ووصلت نسبة اليهود إلى السكان العرب في القدس 60.4% وكان عدد السكان العرب «65100» شخص. وبدأ النضال المُر في فلسطين عامة وفي القدس خاصة، من أجل الحفاظ على الطابع والوجود العربيين فيها وعلى الهوية والانتماء والمركز الديني للقدس. ولم تكن هناك دول عربية تتمتع بالاستقلال أو بالوعي أو بالقوة في عهد الاستعمار؛ وقاتل الفلسطينيون والعرب الغيورون والمسلمون ممن هدى ربك، قاتلوا بالأيدي والحجارة والعصي والسكاكين والبنادق القديمة دفاعاً عن أنفسهم وعن القدس. وحين كانت جموعهم تشرف على أن تغلب اليهود يتدخل الإنجليز بالقوة، وحين تصل الأمور إلى حدود الانفجار يتدخل بعض الحكام العرب «لتهدئة الخواطر». وبقي الحال على ما هو عليه إلى الرابع عشر من مايو 1948 حين أعلنت بريطانيا فجأة انسحابها من فلسطين بعد أن هيأت كل أسباب القوة والمنعة والسيطرة لليهود من جهة، وحفرت للعرب في فلسطين وخارجها الخنادق الملغمة تحت أرجلهم، في أسلحتهم وجيوشهم وقياداتهم وتسليحهم، من جهة أخرى. فغلب اليهود على فلسطين وعلى معظم القدس، حيث تحول حي موسى مونتفيوري مع الزمن إلى انتشار سرطاني يهودي شكلت القدس المحتلة أو «اليهودية» التي قابلت القدس العربية ـ تلك التي دخلت مع الضفة الغربية تحت المظلة الأردنية الهاشمية ـ مجالَه وميدانه؛ وكانت مساحة القدس العربية ( 555) فداناً، بينما تبلغ مساحة القدس المحتلة ( 4065 ) فداناً. وأخذ المشروع الصهيوني يتصاعد وينمو مهدداً القدس وفلسطين والعرب؛ واكتسب الكيان الصهيوني اعترافاً دولياً، بوصفه «دولة عضواً في الأمم المتحدة»، على أساس القرار رقم ( 181 ) تاريخ 29 /11/1947 الذي أوصى بتدويل القدس؛ وأكدت الأمم المتحدة ذلك بقراريها ( 194 ) تاريخ 11/12/1948 و ( 303 ) تاريخ 9/12/1949. مكانة دينية وقومية ولم يقبل العرب واليهود بالتدويل، فالقدس موحدة تعني، بالنسبة للعرب والمسلمين، تاريخاً وحقاً وبيتاً مقدساً وقبلة ومحجاً وعنوان كرامة، وسجلاً من العمران والشهادة والتضحية والحضارة؛ يمتد مما قبل اليبوسيين العرب إلى عمق الزمن الآتي وآماده، إضافة إلى مكانتها الدينية والدنيوية والحيوية والقومية. وهي بالنسبة إلى يهود الخَزَر الذين يغزونها ويحتلّونها اليوم - رمز المشروع الصهيوني - الاستيطاني، والجزَرة التي يلوّح بها «للمسيحية - اليهودية» وللمتصهينين من الغربيين، الذين يؤمنون بالتوراة الموضوعة. وهي بالنسبة لـ «إسرائيل» قيمة سياسية وتجارية وسياحية. في السابع من يونيو 1967 سقط القسم العربي من المدينة بأيدي الصهاينة إثر الهزيمة التي حلت بالعرب في حرب يونيو، وأصبحت القدس كلها بمتناول المشروع والحلم الصهيونيين. وقد بدأت منذ ذلك التاريخ مرحلة جديدة في تاريخ القدس، إذ بدأ التهويد الشامل على أرضية القدس الكبرى: العاصمة الموحدة والأبدية لـ «إسرائيل» كما يعلن القادة الصهاينة. فتم ضمّها إلى دولة «إسرائيل» بقرار إسرائيلي رفضته الأممُ المتحدة وأقرته على أرض الواقع قوةُ الاحتلال وضعفُ العرب المتزايد؛ وكان ذلك في 27/6/1967. ووسعت إسرائيل أرض القدس بالتملك القسري المستمر للأرض من حولها ولأرض العرب التي كانت لهم في القدس العربية قبل السابع من يونيو1967، وبدأ التهويد والتشييد على أرضية الهدم والتشريد: هدم دور العرب ومقدساتهم وتشريدهم من القدس ومما حولها، واستملاك الأرض وإقامة الأحياء الجديدة لليهود المجلوبين عليها. وتعرض المسجد الأقصى ذاتُه لأكثر من عدوان صهيوني عليه بالإحراق في 21 /8/1969 وعلى المصلين فيه ( بالقتل المتعمد داخله ) وعلى حرمه العام وحائط البراق بهجمات اليهود شبه اليومية عليه وعلى من يدافع عنه أو يتعلق به أو يصلي فيه!!. وأعُلنت القدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل ، وقفز الاستيطان اليهودي فيها قفزات مذهلة، وتُبيّن الأرقامُ تطور ذلك وخطورتَه. كان عدد العرب في القدس عام 1967 (66000 ) وعدد اليهود (200 ألف ) وأصبح عدد العرب عام 1992 ( 151000) وعدد اليهود ( 409000 ) ومنذ أخذت إسرائيل من الولايات المتحدة الأميركية ضمانات قروض بقيمة عشرة مليارات دولار ، بعد انعقاد مؤتمر مدريد وبدء مفاوضات السلام بين العرب والكيان الصهيوني، ازدادت حملةُ التهويد والاستيطان في القدس؛ وبدأ العرب يتعرضون للاعتداءات المباشرة على بيوتهم ويُخرَجون منها بالقوة لتقيم في بيوتهم عائلات يهودية. واستشرى موضوع الاستيطان في القدس تحديداً، وموضوع تحويلها إلى عاصمة للكيان العنصري الصهيوني تعترف بها الدول وتنقل سفارتها إليها. ولم تتوقف إسرائيل عن التملك في القدس، ولا عن إعلان أنها ستبقى عاصمتها الأبدية الموحدة ولا عن تهويد كل شيء في المدينة، حتى بعد توقيع اتفاقيتي الإذعان: - اتفاقية: (أوسلو - القاهرة ـ الخليل ـ واي بلانتيشن..إلخ ) مع الرئيس عرفات. - واتفاقية: ( وادي عربة ) مع الملك حسين، التي أصبحت المعاهدة بين المملكة الأردنية الهاشمية والكيان الصهيوني وما تلاها من ملاحق. جوهر القضايا بل على العكس من ذلك، قرر الصهاينة استملاك (53) هكتاراً من أراضي العرب في «القدس العربية» لمصلحة المشروعات الصهيونية في المدينة، ولم يستطع العرب والمسلمون أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك؛ صرخوا واحتجوا ولكنهم استمروا في المفاوضات مع العدو الصهيوني، واجتمع فريق منهم ودعا إلى قمة عربية مصغرة لتتخذ موقفاً وقراراً (؟!) ولكن نصائح الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس كلينتون الحريص جداً على مسيرة الاستسلام العربي لإسرائيل جعلت رابين يجمد قرار الاستملاك ولا يلغيه، واكتفى العرب والمسلمون بالتجميد المؤقت الذي اعتبروه نصراً فألغوا احتجاجهم ودعوتهم للاجتماع، وباركوا حكمة رابين وشجاعته وحرصه على السلام وتابعوا تطبيع العلاقات معه؛ واستمر مشروع تهويد القدس بدأب شديد من دون لفت نظر، وتصاعدت الحملة الانتخابية الأميركية التي تجري أحياناً على جثث العرب ومصالحهم وقضيتهم الرئيسية، قضية فلسطين، فقرر السناتور الأميركي بوب دول زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ والمتحالف مع حزب الليكود الصهيوني أن يحرج كلينتون ويكسب اليهود بالعمل على إصدار قرار من الكونغرس يرغم فيه الإدارة الأميركية على نقل سفارتها إلى القدس؛ رامياً عرض الحائط بالقرارات الدولية والأميركية السابقة، التي اعترضت على قرارات إسرائيل المتعلقة بتغيير الأوضاع في القدس. بينما سارع كلينتون وديمقراطيوه المتحالفون مع حزب العمل الصهيوني، إلى الإعلان الحيي بلسان وزير خارجيته كريستوفر الذي قال في 15/5/1995 إن مشروع دول فكرة سيئة لأنه يتناول إحدى أكثر قضايا عملية السلام حساسية، ويعلن وجهة نظر أميركية بسرعة، بينما يتناول الطرفان المعنيان تلك القضية وفقاً لنصوص إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير؟! إن موضوع القدس، حسب ذلك الإعلان قضية مؤجلة إلى عام 1996 وربما أكثر، وهي بالنسبة إلى العرب قضية تتصل بالمراحل النهائية من معاهدة السلام حسب مرجعية مؤتمر مدريد. وإلى أن يحين ذلك الوقت تكون إسرائيل والتحالف الغربي المتصهين الذي يناصرها، ويفرض هيمنَتها وتفوّقَها الأمني، تكون قد فرضت أمراً واقعاً في القدس، وأمراً واقعاً من خلال القدس، يصعب على العرب مواجهته أو نقضه.. والقانون الذي وقعه الرئيس الأميركي جورج بوش في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 2002 هو الأمر الواقع والأخطر الذي لا أرى أن الرسميين العرب سيقاومونه كما ينبغي ولكنه سيشعل في الجماهير وقد نار القدس ووقد نار قضيتها. فهل تراهم يستسلمون لسلسلة الأمر الواقع التي لايزال الاستعمار الغربي والاحتلال الاستيطاني الصهيوني يفرضانها عليهم منذ عقود وعقود من الزمن؟! إن القدس عبر التاريخ الطويل، كانت مركز الأحداث وجوهر القضايا والصراعات والحلول، وهي كذلك بالنسبة إلى العرب والمسلمين اليوم. ويقول الغرب إنه معني بها تماماً، ويقول اليهود إنها المرتكز الروحي والسياسي والفكري لمشروعهم. فهل يكون هناك سلام من أي نوع في ظل أوضاع لا تستقر فيها أوضاع القدس على العدل التاريخي والإنصاف الحقاني ؟؟ وهل يمكن حسم أمر القدس المرتبط - بالنسبة إلينا نحن العرب والمسلمين - بحسم أمور تتعلق بالاحتلال الصهيوني لأرضنا، وبالسيطرة الغربية على قرارنا ومقدراتنا، من دون قوة ورؤية وقرار ؟! وهل يكون ذلك من دون وحدة ومعرفة علمية وإيمان مطلق وطاقة روحية واقتصادية، تصنع ذلك؟! لقد قال صلاح الدين الأيوبي، كما ورد في رسالته التي كتبها له القاضي الفاضل: «وإنما أمور الحرب لا تحتمل في التدبير إلا الوحدة». ونرى أن أمور «حرب السلام» لا تحتمل هي الأخرى إلا ذلك التدبير، ولكن المؤسف أننا نفتقر في الحرب والسلام إلى الحد الأدنى من تدبير الوحدة؛ فهل يتسنى لنا شيء من ذلك لنحسم شيئاً من قضايانا وأمورنا المعلقة وفي المقدمة منها القدس التي لا سلام إلا بسلامها وأمنها وسلامة انتمائها لأمتها العربية ودائرتها الجغرافية والعقائدية ؟! إنه سؤال نرفعه بوجه الناس: فالقدس أساس من أسس السلم والحرب لا تستقيم الأمور إلا باستقامته وسلامته وإنه من أهم أسئلة الحاضر والمستقبل، كما كان من أهم أسئلة الماضي؛ فالقدس عبر التاريخ مفتاح الحرب والسلام. ـ رئيس اتحاد الادباء والكتاب العرب

Email