مبدأ شارون ـ النسخة طبق الأصل عن مبدأ بوش ! ـ بقلم: محمد مشموشي

ت + ت - الحجم الطبيعي

السبت 28 رجب 1423 هـ الموافق 5 أكتوبر 2002 أية استراتيجية للأمن القومي تنفذها اسرائيل حاليا، وبخاصة منذ الحادي عشر من سبتمبر، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتاليا في المنطقة العربية؟!. بل وأي «مبدأ شارون»، على نسق «مبدأ بوش»، يطبق الآن باللجوء الى الضربات الاستباقية بحجة أن خطرا ما قد يأتي في يوم ما من هذه الجهة أو تلك، والى التصرف بصورة منفردة في حال برزت عراقيل عالمية أو قانونية دولية في الطريق؟!. يدفع الى هذا السؤال نشر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش أخيرا ما وصفه بأنه استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة، محاولا فيه وضع العالم كله أمام أمر واقع جديد، بحيث يستطيع من يريد أن ينتقده او حتى أن يرفضه، الا أنه سيكون ممنوعا عليه امتلاك القدرة على تغييره، أو حتى على تحديه. ولأن حكومة اسرائيل، برئاسة ارييل شارون، قد سارعت للصعود الى قطار الحرب على الأرهاب الذي انتجه بوش ويتولى قيادته برعونة الآن، ضد العرب والمسلمين أولا وقبل كل شيئ، اذا يصبح السؤال من البديهيات، وليس على صعيد العرب فقط بل على صعيد غيرهم ايضا. في الجواب، يبدو شارون وكأنه يقدم يوميا دليلا جديدا على ان استراتيجية الأمن القومي لديه تتشكل من العناصر الاربعة التي قامت عليها سابقا، وتقوم عليها الآن ايضا، الاستراتيجية الأميركية التي تحمل العنوان اياه: الردع و الاحتواء و الحرب الوقائية و الضربات الاستباقية معا وفي وقت واحد. الأولان كانا عنصري الاستراتيجية في الحرب الباردة، مع أن بوش يرى أنهما انتهيا بانتهاء تلك الحرب، والآخران يطرحهما الآن عدة له في الحرب على الأرهاب التي بدأها في أفغانستان، ويوشك أن يبدأ مرحلتها الثانية قريبا في العراق. فهو، شارون، يرى ان الحرب الباردة بين القطبين انتهت سياسيا فقط، وأن على اسرائيل أن تفيد من تلك النهاية الى اقصى حد من دون أن تتخلى عن أداتي الردع و الأحتواء ما بقي هناك رفض عربي ـ أو حتى فلسطيني فقط ـ للتسوية التي يتصورها في يوم ما في المستقبل. كذلك فهو، في الحرب على الأرهاب التي يرى أن اسرائيل شريك فيها، يضع الأداتين الجديدتين، الحرب الوقائية و الضربات الاستباقية، بين يديه أيضا الى جانب زميلتيها السابقتين. .. وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة من ناحية، وفي مناطق أخرى من العالم العربي، يتم تطبيق مبدأ شارون الآن على الشكل الآتي: أولا: ان تدمير مباني المقاطعة، التي تحتوي على مقر رئيس السلطة ياسر عرفات في رام الله تدميرا كاملا، لم يكن الا التجسيد الفعلي للضربات الاستباقية، لمجرد الظن بأنه قد تخرج منها في المستقبل خطط أو مشروعات، أو حتى عمليات، للرد على عدوان شارون المتواصل والمبرمج على السلطة المحاصرة منذ شهور داخل تلك المباني. الذريعة كانت العملية الاستشهادية التي تمت في تل أبيب قبل ذلك بساعات، الا ان الاصرار على تسليم ثلاثين مطلوبا قيل انهم يقيمون مع عرفات ـ من دون تسميتهم أولا، ثم الادعاء لاحقا ان عرفات يعرفهم! ـ يبرهن على أن التدمير ليس سوى استباق لما تظن حكومة شارون أنه يحتمل أن يقع.. ان لم يكن غدا، فبعد غد، أو بعد بعد الغد. وحتى عندما وجد شارون أنه مضطر للرضوخ الى طلب بوش رفع الحصار عما بقي من المقاطعة، لأن التوقيت ليس مناسبا (كما اعترف الأخير شخصيا) لأنه لا يريد حروبا جانبية تعرقل حربه على العراق، فان شارون لم يسقط من حسابه، ولا عن لسانه، الاصرار برغم ذلك على تسليم اؤلئك المطلوبين . ليس ذلك فقط، فالاستباق هنا يشمل ـ في ذهن شارون ـ أية عمليات فدائية أخرى قد تتم ضد قوات الأحتلال، على القاعدة الأميركية ـ الاسرائيلية في تحميل السلطة سلفا ـ مع أنها لا تملك حولا ولا قوة بعد تدمير البنى التحتية لجهازها الأمني ـ المسؤولية عن تلك العمليات. تعليقا على ذلك، وتحت عنوان رقص قذر، قال دورون روزينبلوم في هآرتس ساخرا قبل أيام ان على الاسرائيليين ان يتصوروا رئيس حكومتهم، بعد عملية فدائية أخرى، يرسل قوة مسلحة تجتاح مكتب عرفات لتستولي على نظارتيه وتصادر عدساته اللاصقة، ثم يعلن تحت ضغط من الولايات المتحدة استعداده لاعادة النظارات والعدسات شرط أن يقوم المجلس التشريعي الفلسطيني بتغيير اسم عرفات الى مناحيم أوسيشكين، ثم أن تتراجع وزارة الخارجية، تحت ضغوط من العالم، قائلة ان عرفات حر في اختيار الأسم الذي يريده بما في ذلك اسم عرفات ذاته. سخرية تعبر عن واقع، ولا يعبر هذا الواقع سوى عن استخدام اسرائيل أداتي الردع و الاحتواء، معا وفي وقت واحد، ضد كل من الشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية وحتى الحلم بتقرير المصير وبدولة في أي يوم؟!. فضلا عن ذلك، هل تخرج ملاحقة رموز المقاومة الفلسطينية، بمن في ذلك قائد حماس العسكري محمد ضيف أخيرا بعد اغتيال العديد من زملائه بطوافات أباتشي وصواريخ الميدان، عن الضربات الأستباقية او عن الحرب الوقائية اللتين اختطهما بوش لنفسه في الحرب على الارهاب وتبناهما شارون وهو يصعد الى قطار تلك الحرب؟!. وهل تختلف اذا استراتيجية الأمن القومي للدولة العظمى في المنطقة عن استراتيجية الأمن القومي للدولة العظمى في العالم.. تلك التي تقوم على مقولة ان أحدا في الكرة الأرضية لن يكون مؤهلا بعد لقول كلمة لا للولايات المتحدة أو للظن، مجرد الظن، بأنه يمكن ان يفكر بمنافسة تفوقها، اقتصاديا أو عسكريا أو سياسيا، اليوم أو في أي يوم لاحق؟!. موقف واشنطن في مجلس الأمن الدولي، بمعارضة مشروع قرار قوي ضد تدمير مباني المقاطعة ثم بامتناعها عن التصويت على قرار تسووي يربط بين عملية التدمير الاسرائيلية والعملية الفدائية الفلسطينية، يجاوب على السؤال. ثانيا: ان قصة اسرائيل مع مياه نهر الوزاني في لبنان، وربما مع أي نهر آخر في سوريا والأردن في جوارها ـ فضلا عن النيل والفرات اللذين جعلتهما الصهيونية العالمية حدود دولة اسرائيل الكبرى ـ هي نموذج أخر للحرب الوقائية . أما الذريعة هنا فهي الخوف من احتمال ان تضرب اسرائيل موجة جفاف، أو حتى نقص في المياه، في المستقبل القريب أو البعيد. لم يفعل لبنان، بعد تحرير جنوبه من احتلال اسرائيلي استمر اكثر من 20 عاما، الا انه قرر تزويد القرى المحررة بمياه الشرب من الوزاني بما يقل كثيرا عن حصته من مياه النهر بحسب القوانين الدولية التي ترعى شئون الأنهار التي تنبع من أراضي دولة وتصب في أراضي دولة أخرى. وقد أقامت اسرائيل الدنيا وأقعدتها، وهددت لبنان بالويل والثبور، وحشدت قوات ضخمة على الحدود، من أجل منع لبنان من استكمال مد أنابيب المياه فضلا عن بدء ضخ المياه فيها. قالت علنا انها الحرب اذا، وان لدى لبنان مياها كافية في نهر الليطاني، فلماذا يستولي على مياه الوزاني التي تغذي بحيرة الحولة؟!. ثم مرة أخرى، ولأن الوقت غير مناسب ـ كما قال بوش لشارون ـ بينما الموضوع المطروح هو موضوع العراق، تراجعت اسرائيل عن شن الحرب الوقائية هذه.. ولكن، ربما الى حين!!. الى متى؟!. لم يكتم شارون سرا عندما صرح للصحافيين، في اثناء زيارته الى موسكو، بأن الظرف الآن ليس ظرفا مناسبا لشن حرب على لبنان. الشيئ ذاته يقوله شارون علنا عن الغزو الأميركي للعراق، بعد أن يثير هو وصحافته احتمال لجوء بغداد الى توجيه صواريخها نحو المدن الاسرائيلية عندما تبدأ واشنطن حربها الموعودة ضد العراق. لن نسمح بذلك، ولن نقف مكتوفي الأيدي ازاء مثل هذا الاحتمال. سنضرب قبل ان نتعرض للضرب، يقول شارون في الوقت الذي يبدأ فيه توزيع آلاف الأقنعة الواقية في طول اسرائيل وعرضها استعدادا للحرب الوقائية التي ينوي المبادرة اليها اذا كان الظرف مناسبا على غير ما كان عليه موقفه من المقاطعة في فلسطين ومن مياه الوزاني في لبنان، لأن واشنطن اعتبرت أن الظرف لم يكن كذلك. ثالثا: ان الضربات الاستباقية في رام الله، و الحرب الوقائية ضد لبنان، هما مجرد مثلين لما يمكن أن يشمل حالات أخرى على امتداد العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط كلها. تدمير المفاعل النووي العراقي في الماضي كان مثلا، وحرب العام 1967 نفسها كانت مثلا آخر، واجتياح لبنان في العام 1982 كان مثلا بدوره، واغتيال قادة المقاومة الفلسطينية في داخل بيوتهم في تونس كان مثلا من جهته.. والقائمة طويلة جدا، الا انها، في ظل مبدأ بوش في العالم وزميله مبدأ شارون في المنطقة، تتجه الى أن تكون في المستقبل أطول بكثير، وبالتالي أبعد خطرا مما يتصور الكثيرون. .. وهل هناك من شك في أن ما حدث في الاسبوعين الماضيين لم يكن سوى قمة جبل الجليد التي كشفت التطورات الميدانية عنها، وأن تحت هذه القمة جبلا لا يعرف أحد حجمه ومداه؟!. ـ كاتب لبناني

Email