خط مباشر ـ القدس وسياسة التدليس ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 27 رجب 1423 هـ الموافق 4 أكتوبر 2002 ماذا لدى الرئيس بوش ما يقول ليفسر لنا وضعية الاستقلال الكامل للقنصلية الاميركية في القدس؟ وعندما قال الرئيس الاميركي ان سياسة الولايات المتحدة تجاه وضع مدينة القدس لم تتغير بعد ان وقع الرئيس بامضائه الكريم على مشروع قانون يتضمن بندا ينص على اعتبار القدس عاصمة للدولة الاسرائيلية فانه ليس من المعقول ان ننعت جورج بوش بانه ساذج، كما انه ليس من المعقول بالقدر نفسه اسباغ نفس النعت على بعض العرب الذين اشادوا «بشجاعة» الرئيس الاميركي. في كل الاحوال صار مشروع قانون «العلاقات الخارجية» الذي اجازه الكونجرس قانونا نافذا بمجرد توقيع الرئيس الاميركي عليه ولذا فان من الغريب ان ينتقد الرئيس قانونا اقره بنفسه وفور تذييله بتوقيعه. لقد وضع الرئيس بوش نفسه بهذا الانتقاد العلني في موضع الطرف المعارض المغلوب على امره امام الهيئة التشريعية، وفي هذا الصدد اصدر بيانا رسميا جاء فيه ان البند المتعلق بالقدس في القانون المشار اليه «يتداخل بطريقة غير مقبولة مع سلطات الرئيس الدستورية حول السياسة الخارجية للأمة» وفي ختام البيان بدأ الرئيس وكأنه يصعد بوتيرة التحدي تجاه الكونجرس الى اقصى درجة اذ يحذر بان سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بالقدس «لم تتغير». واذا كان من غير المعقول ان نصف رئيس الدولة العظمى الاميركية بالسذاجة فانه يصح ان ننعته بالتدليس، والوضع القانوني القائم لقنصلية الولايات المتحدة في مدينة القدس هو احدى الحقائق التي تفضح هذا الخداع الموجه بالضرورة الى العرب. هذه القنصلية في كلمة واحدة، سفارة دون ان تحمل اسم سفارة فالقنصل الاميركي في القدس يتبع اداريا الى وزارة الخارجية في واشنطن رأسا وليس الى السفارة الاميركية في تل ابيب. ان القنصليات فروع لسفارات وفقا لمباديء القانون الدولي التي تحكم القوانين الدبلوماسية في دول العالم. ومقر سفارة دولة في دولة اخرى يكون بالضرورة القانونية في العاصمة المعتمدة للدولة المضيفة ويجوز ان تنشأ قنصليات كفروع لهذه السفارة في مدن اخرى داخل الدولة المضيفة، لكن كل القناصل الذين يديرون هذه القنصليات مسئولون اداريا ودبلوماسيا لدى السفير في العاصمة. فلماذا اريد لقنصلية الولايات المتحدة في القدس ان تشذ عن هذه القاعدة المعترف بها دوليا؟ ان هذه القنصلية تتمتع باستقلال كامل وكأنها سفارة فالقنصل الاميركي في القدس يتخاطب مع وزير الخارجية الاميركي في واشنطن مباشرة متجاوزا السفير الاميركي في تل ابيب ومن ناحية اخرى يتخاطب مع وزارة الخارجية الاسرائيلية في القدس مباشرة باسم حكومته وكأنه سفير معتمد. ان لهذا الوضع الشاذ تفسيرا واحداً.. وهو ان القدس هي عاصمة اسرائيل من المنظور الرسمي للولايات المتحدة. ان الرئيس الاميركي عندما يعلن ان سياسة الولايات المتحدة بشأن القدس «لم تتغير» فان قوله ينطوي على معنى ازدواجي فقد يكون المقصود هو السياسة المعلنة بان مصير القدس النهائي لم يحدد بعد لكن اغلب الظن ان المقصود فعلا هو القرار الاميركي غير المعلن رسميا بان القدس هي عاصمة اسرائيل وبالتالي فان الذي لم يتغير هو وضع القنصلية الاميركية التي هي في حقيقة الامر سفارة. وهكذا تواصل ادارة بوش كسابقاتها من الادارات الاميركية سياسة بيع الوهم للعرب مع التعامل في الوقت نفسه مع اسرائيل كشريك استراتيجي على الصعيد العملي، فبينما تعلن واشنطن من حين لآخر ان لدى الرئيس بوش «رؤية» لقيام دولة فلسطينية، مع الحرص الشديد على عدم الخوض في وصف تفصيلي لهذه الدولة الفلسطينية المستقبلية فان المقاومة الوطنية الفلسطينية من اجل التحرر واقامة الدولة «ارهاب» في نظر الرئيس الاميركي وعندما تقتحم الدبابات الاسرائيلية المدن الفلسطينية على خلفية نشاط فرق الاغتيال الاسرائيلية فان هذه الممارسات في نظر واشنطن «دفاع مشروع عن النفس» وبالتالي فان الجنرال ارييل شارون «رجل سلام». هذا هو السياق الذي ينبغي ان ننظر من خلاله في موقف ادارة بوش بشأن القدس فنتساءل اولا: اذا كان الرئيس الاميركي مازال يرى ان السياسة الاميركية نحو القدس لم تتغير فلماذا لم يرفض التوقيع على مشروع قانون العلاقات الخارجية بعد ان بعث الكونجرس به الى البيت الابيض؟ ان الدستور الاميركي يعطي الرئيس سلطة الاعتراض على قرارات الكونجرس وعندما يرد الرئيس مشروع قانون رافضا التوقيع عليه فان الكونجرس ـ كما ينص الدستور ـ لن يكون بوسعه دستوريا اعادة اجازة مشروع القانون الا بثلثي الاصوات. لكن السؤال الاكبر الذي ينبغي ان يطرح هو: لماذا يقبل القادة العرب تدليس الرئيس الاميركي وهم يعلمون انه تدليس؟ لماذا؟!

Email