إلى اللقاء ـ يوم القدس ـ بقلم: احمد الكناني

ت + ت - الحجم الطبيعي

الجمعة 27 رجب 1423 هـ الموافق 4 أكتوبر 2002 كل عام وانتم بخير، فاليوم ذكرى الاسراء والمعراج. في مثل هذا اليوم من صدر النبوة والاسلام اسرى الله بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى المبارك. وكانت رحلة الاسراء والمعراج ـ بما تحمله من معان ودلالات ايمانية ـ ايذاناً برباط وثيق بين مكة المكرمة والقدس الشريف، اي بين المسلمين وقبلتهم الاولى والثانية. وسيظل هذا الرباط معقوداً الى يوم الدين، رباط يستحق ان نرابط لأجله دفاعاً عنه، حتى ولو شاءت واشنطن وتل ابيب غير ذلك. نعم لقد شاءت الولايات المتحدة ـ في هذه الايام المباركة ـ غير ما شاءت رحلة الاسراء والمعراج ان تؤكده لنا من معان وقيم وتعاليم دينية. فقد استبق الكونغرس الاميركي ذكرى الاسراء والمعراج التي تحل اليوم ـ وهي الذكرى المقدسة في قلوبنا جميعاً كعرب ومسلمين ـ وقدم رأس القدس محاطة بجماجم واشلاء ودماء الفلسطينيين هدية الى اسرائيل. وذلك عبر قانون اقره الكونغرس فيما سبق ووقعه الرئيس الاميركي منذ ايام واعتبر فيه القدس عاصمة اسرائيل. ورغم كل ما قيل عن تحفظ الرئيس الاميركي دبليو بوش. فإن هذا التحفظ لا يغير شيئاً، خاصة وانه جاء كنوع من المقايضة على ضرب العراق، اي ان يمرر كل منهما ـ الكونغرس والرئيس ـ ما يريده الاخر مع نوع من المسرحة. فالأول يعطي الرئيس تفويضاً لضرب العراق. والثاني يوافق على قانون الكونغرس. وفي كل الاحوال نحن الخاسرون واسرائيل هي المستفيد الأول. ان توقيت هذه المقايضة ضرب العراق وتقديم القدس هدية الى اسرائيل. يرفع عن السياسة الاميركية الغطاء الذي ظلت تتخفى بداخله وهو ان اطماعها تحركها المصالح فقط. فالموقف الاخير من القدس يكشف ان الابعاد الدينية حاضرة بقوة في صراع واشنطن مع العالم العربي والاسلامي، ولا يخفف من ذلك التحفظ الذي مسرح به الرئيس دبليو بوش موقفه. فقد وقع وانتهى الامر. ولا شك ان هذا التحفظ سيزول تدريجياً بعد العدوان على العراق، ومع تدني ردود الفعل العربية. ان الموقف الاميركي الجديد يثبت ان الولايات المتحدة حريصة على تقديم نفسها كل يوم على انها عدو اصيل وأساسي ـ على مستوى العقيدة ـ للعرب والمسلمين. وان حربها ضدنا ـ الآن ـ ليست حرب مصالح فقط، وليست حرباً ضد الارهاب. وانما هي حرب صليبية ضد الاسلام عينه. ومن الواضح ان السياسة الاميركية حريصة ان تقدم ـ يوما بعد يوم ـ للعرب والمسلمين مبررات جديدة لاعلان المزيد من الكراهية تجاهها، وصب اللعنات فوق رأسها، اي انها تشرعن ـ عن وعي وقصد ـ كل اشكال النقمة العربية والاسلامية ضدها، وحريصة على ان تنقل المعتدلين العرب والمسلمين الى صفوف المتشددين او الى صفوف «الارهابيين» ـ وفق فهمها هي ـ ربما لكي تستمر وتطول تلك الحرب التي تزعم انها موجهة ضد الارهاب. بل ان السياسة الاميركية حيال العرب والمسلمين لا تعطي اية فرصة لمعارضي العنف ضد المصالح الاميركية كي يقولوا كلمتهم في مواجهة كلمة المتسلحين بالعنف. ولو تأملنا ايضاً سياسة الولايات المتحدة تجاه قضية القدس ـ تحديداً ـ فسوف نجد انها تضع ادعاءاتها فيما يسمى بالحرب ضد الارهاب في كفة ادنى من كفة معسكر ابن لادن وجماعته. فالسياسة الاميركية تسقط كل الذرائع التي تسوقها واشنطن، بل وتدحض اية مبررات تزعمها في هذا الميدان. فأي حرب ضد الارهاب تلك التي تستدعي ضم القدس الى اسرائيل؟ واي مبرر يمكن ان يقبله مسلم عندما تحاول الولايات المتحدة نزع القدس من تاريخ وحاضر المسلمين؟ وكأنها تلوح للعرب والمسلمين بأن التمسك بالقدس يعني ـ في رأيها ـ نوعاً من الارهاب الذي يستدعي العقاب. هذا ما نفهمه من مسلكها الاخير تجاه القدس. اننا نسأل الولايات المتحدة اين هي قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن التي تعتبر القدس ارضاً فلسطينية محتلة؟ لقد ارهقت واشنطن اسماعنا بكلام مغلوط ومكرر حول الشرعية الدولية وضرورة احترام قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن. كما هو حادث الان مع العراق. فلماذا لا تطبق قرارات مجلس الامن إلا ضد العراق فقط؟ ولماذا لا تطبق الان بشأن القدس وفلسطين والجولان؟ ان مغزى القانون الاميركي تجاه القدس هذه الايام لا يقل في كارثيته عما فعله بالعرب والمسلمين وعد بلفور الملعون، لأن ما تفعله الولايات المتحدة اليوم هو بمثابة صك تجديد لوعد بلفور تجاه القدس وعموم فلسطين. وهنا لا يحق للولايات المتحدة ان تتوقف لتسأل: لماذا يكرهنا العرب والمسلمون؟ لأن وقود الكراهية يأتي دوماً من واشنطن، وليس من داخل بلادنا العربية، فالولايات المتحدة هي اكبر عدو لنفسها ولمصالحها. ولا شك ان هذه الكراهية سوف تتصاعد ـ عربياً واسلامياً ـ مع كل يوم تتجبر فيه واشنطن ضد الحق العربي الاسلامي في القدس وفلسطين وفي اصرارها على العدوان على العراق.

Email