آخر الكلام ـ يكتبها: مرعي الحليان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخميس 26 رجب 1423 هـ الموافق 3 أكتوبر 2002 لا اعرف لماذا تتبرأ محطاتنا التلفزيونية من لعب دورها بالتمام والكمال، كحلقات وصل بين مؤسسات المجتمع وافراده، ولا تتضح الصورة في مسألة ان التلفزيون الذي له اثر كبير على مشاهديه بامكانه ان يساعد ويساهم في التوعية والتنوير والارشاد، وان يقدم خدماته خالصة مقرونة بأهداف التطوير والتحديث. فمحطاتنا وبصراحة تامة تبدو عائمة في بحر بعيد عن بحرنا، ومحلقة في فضاء غير فضائنا، ومعنى ان يلتصق التلفزيون بحراك المجتمع، هو ان يكون في وسط قضاياه وهمومه، وان يواكب متغيراته يعرضها يحللها ويفند الصالح والطالح منها، وان يكون نبضا صادقا بين اطراف العملية التطويرية. في محطات تلفزيونية غير محطاتنا تأخذنا الغيرة الكبيرة من برامجها واسلوب اتصالها بواقعها، فالتلفزيون يأتي بالمسئول الى المحطة ويجلسه على كرسي في مواجهة المواطن، ويفتح نافذة الحوارات المباشرة، والبرامج التي تمسح الظواهر، تحللها وتناقشها وتفككها وتعرضها على المختصين، تفتح افقاً كبيراً في العلاقة المتبادلة بين المؤسسات وافراد المجتمع. عندنا تغلبت اذاعاتنا على محطاتنا التلفزيونية، رغم ان الاولى تعتمد على الصوت، والثانية تعتمد الصوت والصورة وكل تقنيات البث الحديث، اذاعاتنا اليوم هي واحدة من النوافذ الاعلامية التي تشعرك انك لصيق بتفاعلات مجتمعك، ويشعرك معدو ومذيعو ومخرجو برامجها بأهمية ما يطرحون وما يقدمون، فبرامج البث المباشر استطاعت وصل الاطراف حول قضايا يومية مهمة، وتشعر انك امام مساحة تنكسر فيها الحواجز بين المسئول والمواطن، وكثيرا ما فتت هذه البرامج ذلك الجليد الجامد وصححت اوضاعاً ونبهت الى قضايا وحلت معضلاتها. وما نريد قوله، وما نكرره دائما، ان الخط الذي تسير عليه اذاعاتنا غير الخط الذي تسير عليه محطاتنا التلفزيونية، فالاولى تشعرك بهذا القرب، وتجعل نبض المجتمع وافراده ومؤسساته قريبا منك، بل تشعر انك فيه، والثانية لا تجد فيها هذا الدفء والالتصاق بالواقع، بقدر ما تجد نفسك مسحوبا الى فضاء غير فضائك. ولا قسوة في ان يقول الفرد منا: آه لو ان كل مذيعي ومعدي واداريي الاذاعات ينتقلون الى التلفزيونات لكي يصححوا مساراتها ويقربوها الينا. فكرة البث اليومي في محطاتنا الفضائية لا تبتعد عن ثلاث مفردات: اخبار دولية هي في الاصل متوفرة في كل مكان، اغنيات فيديو كليب متوفرة في كل مكان، مسلسلات مكررة ومتوفرة في كل مكان، ويفلت من الحسبة برنامج او برنامجان لا علاقة لهما بالمكان والزمان، لقاء مع فنان، لقاء مع خبير ماكياج او خبير طبخ.. او ما يدور في فلك هذه الافكار التلفزيونية المأخوذة شكلا وقالبا من برامج شاهدتها على محطات فضائية عربية واجنبية اخرى. والسؤال: لماذا تغلبت اذاعاتنا على تلفزيوناتنا في علاقتها بهموم الناس والمجتمع والالتصاق بالواقع والبيئة والهوية، ولماذا تغفل الثانية هذا الدور وتتجاهل لعبه وباصرار؟ سيقول قائل او مدافع عن التلفزيونات الموقرة.. هذا اتهام من لا عين له ولا اذن، لان خارطة برامجنا التلفزيونية لا تخلو من المحلي مطلقا. ونقول نعم محلي.. ولكن الى اي درجة من العمق؟؟

Email