بدون عنوان ـ تكتبها: مريم عبدالله النعيمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاربعاء 25 رجب 1423 هـ الموافق 2 أكتوبر 2002 شهدت الساحة الاوروبية في القرن الثالث عشر وما تلاه حملات تطهير عرقي واسعة النطاق ضد الوجود اليهودي في العديد من الدول الاوروبية. وقد تزعم البابا الذي يشغل منصب الرئيس الاعلى للسلطة الكنسية في روما الحملة العدائية الواسعة النطاق ضد اليهود في تلك الفترة. كما قام باصدار بيان رسمي يتهمهم فيه بأنهم وراء كل مصيبة تقع في اوروبا، وانهم «طاعون اسود» يجب الخلاص منه والقضاء عليه الامر الذي اشعل نار الكراهية والبغضاء في تلك الشعوب، وادى الى انتشار موجة العنف وحملات التطهير العرقي في كل من المانيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية التي الجأت اليهود الى بحث عن ملاذٍ آمن يفرون اليه من تلك المعاملة العنصرية التي جعلتهم منبوذين لدى العالم النصراني متمثلا في القارة الاوروبية ما عدا بلاد الاندلس التي كانت تحت الحكم الاسلامي، وفي منآي عن تلك الحملات والافكار، وقد اصبحت مدريد الاسلامية خياراً مناسباً لاعداد هائلة من اليهود نزحوا اليها ووفرت لهم الحماية التي كانوا بأمس الحاجة اليها. ولما سقطت الاندلس، وتعرض المسلمون للابادة والتنكيل نال اليهود نصيبهم من الاذى والتشريد فلجأوا الى الولايات التركية وخاصة اليونان. غير ان حدثين مهمين برزا في تلك الفترة، وبالتحديد في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ساهما في تغيير وضع اليهود في العالم من حالة الضعف والتشرد والبحث عن مأوى، الى حالة النهوض، وإعادة تنظيم انفسهم من جديد من اجل تحقيق احلامهم الموعودة واساطيرهم التي مازالت قادرة على ان تملأ رؤوسهم بالشر، وتذكي لديهم الحماس نحو العمل على استقطاب الرأي العالمي الجديد الذي بدأ في التشكل والظهور اثر بروز الحركة البروتستانتية في اوروبا وما تزامن معها من اكتشاف العالم الجديد وبالتحديد اميركا التي اصبحت بعد ذلك الارض التي احتضنت احلام اليهود، ورعتها، واخذت على عاتقها رعاية المشروع الصهيوني من الاف الى الياء بصورة بدأ معها العد التنازلي نحو الاقتراب من ارض الميعاد للوثوب عليها وانتزاعها من اهلها وكأنها إرث قديم عاد لأصحابه من غاصبيه!! ولكن كيف يمكن قراءة المشهد التاريخي واستجلاء طبيعة الحدث الذي وطد اواصر العلاقة بين اتباع المذهب البروتستانتي حكام اميركا الجدد وبين ذلك الشعب اليهودي المغضوب عليه من قبل الكنيسة والمطرود خارج حمى مملكة الرب وفق المصطلحات الكهنوتية القديمة المتجددة. ان الذي حدث بالتحديد ان الزعيم «مارتن لوثر» خرج على تسلط الكنيسة وهيمنتها على الناس، واخذ ينادي بضرورة الاستقلال من التبعية لرجال الدين وممارسة الطقوس الدينية وعلى رأسها قراءة الكتاب المقدس بصورة فردية وبعيداً عن الوساطات البابوية. وقد ردت الكنيسة الكاثوليكية على هذه الحركة بإعلان الحرب على مارتن لوثر واتباعه الذين وجدوا انفسهم وجها لوجه امام سلطة دينية وزمنية في ذلك الوقت «ومصطلح السلطة الزمنية يعني السلطة السياسية» الامر الذي اثار موجة من العنف والعنف المضاد ووضع البروتستانتيين في موقف لا يحسدون عليه. وقد تزامن مع هذه الظروف الحرجة اكتشاف اميركا التي بدت وكأنها تنادي اتباع مارتن لوثر وتستحثهم على المجييء اليها والتفرد بحكمها وهو ما حدث بالفعل، اذ لم يتوان البروتستانتيون عن الهجرة الى اميركا. وكان اكثرهم قد قرأ العهد القديم وآمن بفكرة ارض الميعاد، ورأوا ان لليهود حقا في امتلاك تلك الارض والاستئثار بها دون سواها من البلاد. والمتابع لشهادات الرؤساء الاميركان يرى ذلك الولاء المطلق للفكرة الصهيونية، وذلك الايمان العميق بأن من واجب اميركا ان تدعم بلا حدود المشروع الصهيوني حتى يصبح واقعاً وحقيقة رغم ما قد يجره تنفيذ ذلك المشروع من انتهاكات صريحة لحقوق الانسان التي لم يعد لها مكان في الحسابات الاميركية. فقد صرح الرئيس «ولسون» الذي حكم اميركا اثناء الحرب العالمية الاولى بأنه يجب على ابن راعي الكنيسة ان يكون قادراً على المساعدة لإعادة الارض المقدسة لشعبها اليهودي. ومن الغرائب التي تبعث على السخرية ان الرئيس «ولسون» صاحب هذه النظرية المتطرفة في حماية اطماع اليهود كان يظن ان عدد اليهود في العالم مئة مليون في الوقت الذي لم يكن يتعدى عددهم احد عشر مليوناً. وتتضافر التصريحات الرئاسية الصادرة عن البيت الابيض على مدى عشرات السنين في تأكيد الموقف الداعم والمؤيد لاحلام اليهود بدون قيد او شرط. وقد ذكر الرئيس الاميركي الأسبق كارتر في مناسبات مختلفة ان المجتمع الاميركي قام على اساس بروتستانتي توراتي وهو ما يقطع الشك باليقين بان جهود مارتن لوثر في نقل التوراة الى اللغتين الالمانية والانجليزية قد اتت ثمارها اليانعة حيث آمن اللوثريون بحرفية الكتاب المقدس وعصمة التوراة، مما دفعهم الى تلك المساندة الاسطورية للقضية الصهيونية منذ تأسيس الولايات المتحدة حتى لحظتنا هذه والسؤال الصعب الى متى يظل النجاح حليف هذه العلاقة الشيطانية؟ وكيف يمكن الحد من آثارها الهائلة؟! سؤال ينتظر الاجابة منذ زمن!!

Email