أبجديات ـ تكتبها: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 24 رجب 1423 هـ الموافق 1 أكتوبر 2002 يعتقد كثير من المثقفين والكتاب عندنا بأن الغرب أو الغربيين لا يعرفون شيئاً عن قضايانا العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية وأزمة العراق وقضية توريطنا فيما يعرف بالارهاب العالمي و.. الخ ولهذا فهم بعيدون عنا وعن التعاطف معنا، مرجعين سبب القطيعة هذه الى تأثير جماعات الضغط اليهودية في المجتمعات الغربية، وسيطرتهم على وسائل الاعلام، وتقصيرنا نحن اصحاب الحق في توصيل صوتنا اليهم، وبالتالي الوصول الى عقولهم والتأثير عليهم وكسب تعاطفهم. وفي الحقيقة فإن هذا الرأي يكاد يكون طاغياً على العقلية الغربية المثقفة، وهو وان كان به الكثير من الصحة، لكنه لا يخلو من المبالغة والتعميم، كما أنه كسائر التفكير العربي بشكل عام يفتقد الى الدقة والموضوعية معتمداً على الاراء المتناقلة والمتواترة التي يكتبها كاتب فينقلها آخر ويعممها ثالث، فتجد الجميع يتحدثون بها وكأنها مسلمات. وفي الحقيقة فانني وجدت في محطات تلفزيونية غربية مناقشات حادة وافلاماً وثائقية في غاية الدقة والاتقان حول القضايا العربية، تدل بوضوح على أن اطلاق التعميمات ليس في صالح احد على الاطلاق وخاصة في موضوع التعاطف هذا. مساء الأحد، رن جرس هاتفي، واذا بسيدة بريطانية تربطني بها صداقة جميلة، تتصل لا لتثرثر على الهاتف وانما لتخبرني بأن محطة الـ BBC الاخبارية سوف تذيع في العاشرة والنصف نقاشاً موسعاً عن الأزمة العراقية في ظل تزايد الرفض الشعبي البريطاني لتوجيه أي ضربة للعراق. وبالفعل فقد كانت الحلقة غاية في الوضوح والموضوعية، ولم يكن هناك أي ميوعة في الموقف البريطاني الذي اتخذه البرنامج، والذي وجهت المذيعة برنامجها على أساسه، وملخصه ان الضغط البريطاني الشعبي يتزايد وللمرة الأولى على الحكومة البريطانية من أجل عدم التورط مع الولايات المتحدة في توجيه اي ضربة للعراق، ذلك ان المبررات التي تسوقها واشنطن ليست مقنعة الا لبوش وادارته، كما ان بريطانيا ليست مجبرة لمناصرة اميركا لأنها في الحقيقة ـ اي بريطانيا ـ غير متضررة من العراق اطلاقا. الذين ناقشوا القضية لم يحتاجوا لنا لنشرحها لهم، فهم رجال سياسة وصحافة واطلاع، ثم ان أزمات الشرق الأوسط تشكل العنوان الرئيسي لأغلب الصحف الغربية وخاصة البريطانية، والغربيون شعوب مطلعة وقارئة ومتابعة، وهي موضوعية في ارائها ومواقفها وهذه صفة العقلية الأوروبية بشكل عام. وعليه فليس صحيحا ان هذه الشعوب بعيدة عن قضايانا ولا تتعاطف معنا جهلا وانغلاقا، فحتى سائقي التاكسي ما عادوا يتحدثون مع العربي او الشرق اوسطي عن اسامة بن لادن او المناخ مثلا، صاروا يتحدثون مباشرة عن العراق ورفضهم توجيه اي ضربة له، ومعرفتهم بأن السيد بوش له أهداف معروفة جدا لا علاقة لها بديكتاتورية صدام وبؤس الشعب العراقي، بل لها علاقة بفشله السياسي والاقتصادي داخل أميركا وبآبار النفط! العالم ما عاد جاهلاً ولا منغلقا، ربما نحن الذين مازلنا كذلك.

Email