ماذا بعد عامين من الانتفاضة ؟! ـ بقلم: إبراهيم الصياد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 24 رجب 1423 هـ الموافق 1 أكتوبر 2002 تدخل انتفاضة الأقصى المباركة عامها الثالث وقد أثبت الفلسطينيون خلالها أنها مازالت البديل الأكثر فاعلية لحلحلة الأوضاع المتردية في منطقة الشرق الأوسط وذلك في ظل متغيرات إقليمية ودولية تراجعت معها البدائل الآخرى !! ويمكن رصد أربعة محددات تقودنا إلى فهم الموقف الراهن في المنطقة بعد عامين من الانتفاضة: 1ـ لم يعد السلام خيارا استراتيجيا لإسرائيل وأظنه لم يكن هكذا في يوم من الأيام. فمن خبرة التعامل مع الطرف الإسرائيلي نجد أنه يسعى دائما لكسب عامل الوقت لمصلحته وتوجيه الأطراف الأخرى ، إلى طرق فرعية تجهض أي جهد سياسي بل ودائما تعود بأي جهود مبذولة إلى نقطة الصفر ، خاصة أن أرييل شارون رئيس وزراء إسرائيل قد جعل شل وحصار الشعب الفلسطيني مرادفا لأمن شعبه المخدوع بوعوده الكاذبة عن أمن وأمان إسرائيل المزعومين. 2ـ سقوط مصداقية الولايات المتحدة في كونها راعيا لعملية السلام في الشرق الأوسط خاصة بعد أن تبنت واشنطن السياسات الإسرائيلية من ناحية وجعلت في الوقت نفسه من شارون أداة منفذة لتوجهات أميركا في المنطقة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر من ناحية أخرى. 3ـ عمقت الفجوة بين ما تريده الشعوب وما تراه بعض النظم والحكومات العربية من حالة الإحباط لدى جماهير الشارع العربي. ويمكن القول أنه أصبح من الضروري تجاوز هذه الحالة حتى يمكن أن يؤثر أي عمل عربي على الساحة وبشكل فاعل. 4ـ ساعد الصمت الدولي وتجاهل الجرائم الإسرائيلية في فلسطين على خلق مساحة من عدم الثقة بين الشعب الفلسطيني الذي يعاني يوميا من العدوان الإسرائيلي وإمكانية أن يفعل العالم المتحضر شيئا ينقذه من هذا العدوان. وقد شكلت هذه المحددات الأربعة الأهمية القصوى لاستمرار الانتفاضة التي دخلت أدبيات الفكر السياسي كمفهوم راسخ لمعنى المقاومة الإيجابية حتى ولو بأبسط الأسلحة ومن بينها ( الحجارة ) بالطبع. وهكذا جسدت الانتفاضة منحى يخشاه الإسرائيليون دائما لأنه عكس قدرة الشعب الفلسطيني على المواجهة المباشرة بلا ملل أو كلل رغم فاتورة الدم والروح التي تدفع يوميا من قبل أبناء الشعب الفلسطيني. وعكس قدرة الشعب الفلسطيني على الاستمرار في المقاومة بشتى الطرق الممكنة ، وفي تصوري أن المواجهة المباشرة والاستمرارية أمران قادا إسرائيل خاصة في ظل حكومة إرييل شارون إلى مأزق حقيقي أن التكلفة التي يدفعها الإسرائيليون منذ بدء الانتفاضة لا تقاس فقط بالمعيار المادي ولكن لابد أن يوضع في إطارها العامل الأمني فما لاشك فيه أن الإسرائيلي فقد عوامل الأمن وسيطرت عليه هواجس الخوف والرعب من أن يأتي عليه يوم يخرج فيه ولا يعود إلى بيته. أما الفلسطينيون فإنهم يتقدمون إلى نيل شرف الاستشهاد طواعية وبروح عالية. وأمام الإصرار الفلسطيني على المقاومة لم يكن عند الإسرائيليين سوى ممارسة اساليب القرصنة والإرهاب والقمع وانتهجتها كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ولكن كان شارون الأكثر إمعانا في استخدام وسيلة إرهاب الدولة « لقمع» الشعب الفلسطيني ورغم ذلك استمرت الانتفاضة بين مد وجزر وبدون اهتمام بآله الحرب التي سخرها شارون لتنفيذ أهدافه الإجرامية. إن الشعب الفلسطيني قد تمرس على المواجهة واستمد منها قدرة على الاستمرارية عبر أكثر من ستين عاما من الصراع مع إسرائيل حتى وصل إلى العام 1987 عام الانتفاضة الأولى التي اعتبرت في تاريخ المقاومة الفلسطينية نقطة تحول أجبرت إسرائيل على الرضوخ وللمرة الأولى للإرادة الفلسطينية. وكان يمكن أن يتم الضغط العربي آنذاك في اتجاه التهديد بتصعيد الانتفاضة لتصبح ورقة رابحة في أيدي المفاوض الفلسطيني لكن إسرائيل نجحت في ترويض الفعل العربي عامة ومسميات التسوية النهائية واستغل الإسرائيليون عامل الوقت لصالحهم حتى وصلت مسيرة التسوية السلمية قبل الثامن والعشرين من سبتمبر عام 2000 إلى طريق مسدود نتيجة أربعة أسباب : الأول : عدم جدية إسرائيل في المضي إلى التسوية السياسية النهائية مع الفلسطينيين واعتبار السلطة الوطنية الفلسطينية واجهة تصد بها غضب الشعب الفلسطيني. ثانيا : وصول إرييل شارون إلى السلطة في إسرائيل ساعد على التعجيل بتوجيه ضربة قاضية لجهود السلام التي لفظت آخر أنفاسها من قبل في مفاوضات كامب ديفيد الثانية. ثالثا : سياسة المعايير المزدوجة التي مارستها الولايات المتحدة في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط الأمر الذي أدى إلى إشاعة روح عدم الثقة في قدرة الراعي الاميركي على فعل شيء ما يذكر في اتجاه حل الصراع العربي الإسرائيلي. رابعا : وقوع اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 قلب الموازين للأسف في اتجاه لم يكن في صالح القضية الفلسطينية أو القضايا العربية بشكل عام وحدث ربط بين ما يسمى بالحرب على الإرهاب وبين مطلب المقاومة العادل الذي هو من حق الشعب الفلسطيني المحتلة أرضه. ووسط هذه العوامل حاول الإسرائيليون والاميركيون وصم فعاليات الانتفاضة بالإرهاب إلى درجة وضع واشنطن المنظمات والفصائل الفلسطينية على رأس قائمة الجهات الإرهابية أو الداعمة للإرهاب وذلك في محاولة لتشويه الصورة النبيلة للانتفاضة. ومن الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن قصور الموقف العربي كان أحد الأسباب التي جعلت الفلسطينيين لا يرون سوى الانتفاضة طريقا وحيدا نحو تحقيق أهدافهم ولذلك كان لابد أن يعي النظام الرسمي العربي الأسباب الأربعة التي أشرنا إليها حتى يمكن بناء موقف عربي جديد يضع في الحسبان أن إسرائيل لا تريد سلاما حقيقيا وأن الولايات المتحدة تتبنى السياسات الإسرائيلية وأن العالم لن يتحرك لنجدة الشعب الفلسطيني طالما لم يتحرك العالم العربي للوقوف بجدية قولا وفعلا مع الشعب الفلسطيني وتعود القضية الفلسطينية إلى الأجندة العربية القضية المركزية. أما إذا لم يتحرك العرب ويظل العالم على صمته وتصر الولايات المتحدة على انحيازها وينفذ شارون بقية مخططه الهادف إلى تصفية الشعب الفلسطيني فلن يكون هناك خيار أمام هذا الشعب الأعزل سوى الاستمرار في انتفاضته حتى ولو استمرت أعواما وأعواماً !! ـ كاتب مصري

Email