الحرب الأميركية ضد العراق ومغزى الغطاء الدولي ـ بقلم: عمران سلمان

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 24 رجب 1423 هـ الموافق 1 أكتوبر 2002 يبدو أن الولايات المتحدة ترغب في تأمين عناصر النجاح لمبدأ الضربة الوقائية الذي تبنته في إطار استراتيجيتها الجديدة، وهي تريد هنا أيضا دعما دوليا، تكون الحرب على العراق مقدمة وسابقة له. من هنا فإن الجدل الدائر في الأوساط الدولية ينصب في مجمله، وإن اتخذ من معارضة الحرب مظهرا له، على الحدود التي يمكن أن يذهب إليها العمل العسكري وجوهر الاستراتيجية الأميركية. فالكثير من الدول تبدو غير مطمئنة أو متأكدة من نوايا واشنطن، سيما في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، وهذه الأخيرة فشلت حتى الآن، في إقناع هؤلاء بوجاهة الانتقال من الحرب على الإرهاب إلى الحرب في العراق. فلم يتح ما يكفي من الأدلة التي تبرر ذلك، وما يقال عن وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق أو وجود نزعة لدى صدام حسين نحو التسلح، ليس جديدا. وبمعنى من المعاني فإن عجز واشنطن وربما لندن عن تقديم مثل هذه الأدلة، قد وفر لدى المعارضين، وبضمنهم حكومات أوروبية، عدة كاملة من الحجج للامتناع عن دعم خيار الحرب. بل وإظهار المعارضة الصريحة لهذا الخيار على نحو ما فعلت ألمانيا وفرنسا حتى الآن. طبعا لا يمكن سوى للسذج أن يعتقدوا بأن هاتين الدولتين وغيرهما معنيتان بمصير النظام في العراق أو أنهما تصدقان ما تقوله حكومة بغداد. فهما بموقفهما هذا إنما ترميان من جهة إلى تعقيد السياسة الأميركية في المنطقة العربية وربما في العالم، ومن جهة أخرى الحفاظ على بعض النفوذ في مجلس الأمن وبعض التجمعات الإقليمية. لكن بالطبع الشكوى المبطنة والمتوارية خلف معارضة الحرب على العراق، وليس تلك الصريحة الواضحة النبرات، إذ حتى الآن لا يوجد في قاموس الدبلوماسية الدولية تعبيرات صريحة كهذه. رغم ذلك فإن هذه المعارضة لا تعدم المنطق. فلماذا ينبغي على ألمانيا أو فرنسا أن تسيرا خلف واشنطن بسهولة، في الوقت الذي حتى الكونغرس الأميركي نفسه يرفض إعطاء الرئيس بوش حرية العمل العسكري في منطقة الشرق الأوسط؟ وفي الوقت الذي يجهر فيه عدد من الساسة الأميركيين (خصوصا في أوساط الحزب الديمقراطي). أعود فأقول إن إدارة الرئيس بوش لا تحتاج إلى دعم عسكري فرنسي أو ألماني للنجاح في حرب العراق، فهي قادرة بمفردها، على إنجاز المهمة. لكنها بحاجة إلى دعم هاتين الدولتين وغيرهما من دول العالم، لإنجاح مهمة الاستراتيجية الأميركية، ولتوفير الغطاء السياسي لعمليات أميركية قادمة. والسؤال الذي يطرح اليوم هو هل بمقدور كل هذه المعارضة أن تثني الإدارة الأميركية عن الذهاب لحرب العراق؟ أتصور أن الولايات المتحدة قطعت شوطا كبيرا في التجهيز وفي إعداد الرأي العام المحلي والدولي للخيار العسكري. و ليس من السهولة أو المنطق افتراض أن ذلك كله سوف يتبدد. حينما يتحدث الرئيس بوش عن أن عراق صدام حسين يشكل خطرا مميتا على الأميركيين، وحين يخاطب زعماء العالم ويشرح لهم مخاطر بقاء الرئيس العراقي حرا طليقا، فإننا لا بد أن نتوقع أن الخطوة التي تلي ذلك هي التحرك في مواجهة ذلك. إن مصداقية الرئيس الأميركي ومصداقية إدارته هي اليوم على المحك. وبالطبع تفضل واشنطن أن تذهب للحرب ومعها تحالف دولي واسع، لكنها تبدو مصممة مع ذلك على الذهاب بمفردها أو بعدد قليل من الدول في حال تعذر ذلك. أما المعارضة فهي لا تفعل سوى أن تثير الغبار في وجه الحملة الأميركية. إنها قد تنجح في تأخير هذه الحملة وقد تعرقل بعض سيناريوهاتها المريحة لواشنطن، لكن من المستبعد أن تنجح في إلغائها. والحال أن من يعولون على عودة المفتشين إلى بغداد باعتباره مخرجا للأزمة الراهنة، هم يعملون فقط على كسب الوقت أو ربما إضاعته. فالمفتشين كانوا هناك لمدة سبعة أعوام. ومن غير الحكمة الافتراض أنهم سيجدون في هذه المرة ما عجزوا عن إيجاده من قبل. ومشكلة أميركا مع بغداد، منذ عشرة أعوام على الأقل، لم تكن بسبب المفتشين، وقد لا تكون بسبب الأسلحة التي يكثر الحديث عنها اليوم. إن مشكلة واشنطن كما بدا في خطاب الرئيس الأميركي أمام الأمم المتحدة في التاسع عشر من سبتمبر الماضي، هي مع نظام الحكم في العراق. وقد أفاض بوش في حديثه ذاك عن الديمقراطية وحقوق الإنسان .. الخ. بمعنى أن الرئيس الأميركي وضع سقفا لمطالب إدارته من نظام بغداد، وهذه، كما يمكن أن يفهم أي إنسان، لا تلبى أو تحل إلا بزوال هذا النظام. قصارى القول إذن إن الحرب تبدو قادمة، لكن الخلاف يتمحور فحسب حول الشكل الذي سوف تخرج به. ـ كاتب بحريني

Email