تراثيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

الثلاثاء 24 رجب 1423 هـ الموافق 1 أكتوبر 2002 ـ قال منصور بن عمار في مجلس الزهد: إن للّه عباداً جعلوا ما كُتب عليهم من الموت مثالاً بين أعينهم، وقطعوا الأسباب المتصلة بقلوبهم من علائق الدنيا، فهم أنضاء عبادته، حلفاء طاعته قد نضحوا خدودهم بوابل دموعهم، وافترشوا جباههم في محاريبهم، يُناجون ذا الكبرياء والعظمة في فكاك رقابهم. ودخل قومٌ على عمر بن عبدالعزيز يعودونه في مرضه، وفيها شاب ذابل ناحل. فقال له عمر: يا فتى، ما بلغ بك ما أرى؟ قال: يا أمير المؤمنين، أمراض وأسقام. قال له عمر: لتصدُقني. قال: بلى يا أمير المؤمنين، ذُقت يوماً حلاوة الدنيا فوجدتها مُرة عواقبها، فاستوى عندي حجرها وذهبها، وكأني أنظر إلى عرش ربنا بارزاً، وإلى الناس يُساقون إلى الجنة والنار، فأظمأت نهاري، وأسهرت ليلي، وقليلٌ كل ما أنا فيه في جَنب ثواب الله وخوف عقابه. ـ وقال ابن أبي الحواري: قلت لسفيان: بلغني في قول الله تبارك وتعالى: (إلا من أتى الله بقلب سليم) الذي يلقى ربّه وليس فيه أحد غيره. فبكى وقال: ما سمعت منذ ثلاثين سنة أحسن من هذا التفسير. وقال الحسن: إن خوفك حتى تلقى الأمن خيرٌ من أمنك حتى تلقى الخوف. وقال: ينبغي أن يكون الخوف أغلب على الرجاء، فإن الرجاء إذا غلب الخوف فسد القلب. وقال: عجباً لمن خاف العقاب ولم يكُفّ، ولمن رجا الثواب ولم يعمل. ـ وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لرجل: ما تصنع؟ فقال: أرجو وأخاف. قال: مَن رجا شيئاً طلبه، ومن خاف شيئاً هرب منه. وقال الفُضيل بن عياض: إني لأستحي من الله أن أقول: توكلت على الله، ولو توكلت عليه حقّ التوكل ما خِفتُ ولا رجوتُ غيره. وقال: مَن خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومَن لم يَخف الله أخافه الله من كل شيء. وقال: وعدٌ من الله لمن خافه أن يدخله الله الجنة. وتلا قوله عزّ وجلّ: (ولِمَن خاف مقام ربّه جنتان). ـ وقال عمر بن ذر: «عباد الله، لا تغتروا بطول حِلم الله، واحذروا أسفه، فإنه قال عزّ وجلّ: (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سَلفاً ومثلاً للآخرين). وقال محمد بن سلام: سمعت يونس بن حبيب يقول: لا تأمن من قطع في خمسة دراهم أشرف عضو فيك أن تكون عقوبته في الآخرة أضعاف ذلك. وقال الربيع بن خُثيم: لو أن لي نفسين إذا غلقت إحداهما سعت الأخرى في فكاكها، ولكنها نفس واحدة، فإن أنا أوثقتها من يفكها؟ وفي الحديث: «من كانت الدنيا همه طال في الآخرة غمه، ومن أخلف الوعيد لها عما يريد، ومن خاف ما بين يديه ضاق ذرعاً بما في يديه». أبو صخر

Email