دبلوماسية المسدس، بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

اسأل أي اخصائي اكاديمي او مهني في الدبلوماسية والعلاقات الدولية عن تعريف «الدبلوماسية» وسوف تكتشف انه مع اختلاف التصريفات وتنوعها فإنها جميعا تتمحور، حول المعنى الآتي: «كيفية ادارة العلاقات بين دولة ودولة عن طريق عمليات التفاوض السلمي». لكن يبدو ان العالم دخل عصرا جديدا بعد احداث سبتمبر في نيويورك وواشنطن وفقا لتعريف مستحدث للدبلوماسية يستعاض فيه عن اسلوب «التفاوض السلمي» بأسلوب العنف.. وما يتبعه من قهر وسلب ونهب وقطع طريق. وزير التعاون الفرنسي شارك جوسلان يطلق على هذا الاسلوب «سياسة خارجية على طريقة أهل تكساس» ومراعاة للتهذيب الدبلوماسي لم يشأ هذا المسئول الفرنسي ان يشرح «طريقة اهل تكساس» تفصيلا تاركا ذلك للقاريء او السامع. وطريقة اهل تكساس كما نعلم هي ببساطة اشهار المسدس ليس فحسب من قبيل قطع الطريق بغرض النهب والسلب، وانما لمجرد الاختلاف في الرأي تجاه امر تافه. فالفتى في تكساس بقدر ما يشهر المسدس لنهب بنك او الاستئثار بفتاة او الاسترداد القسري لما خسر من مال في لعب القمار، بقدر ما يشهره في وجهك اذا لم توافق على وجهة نظره بأن البيضة وجدت قبل الدجاجة وليس العكس. لكن الوزير الفرنسي جوسلان يواصل شرح «الدبلوماسية» الامريكية التكساسية على نحو آخر. فهو يقول ان الادارة الامريكية باتت دولة خارجية على القانون الدولي تستغل موجة الغضب الشعبي الامريكي تجاه تفجيرات نيويورك وواشنطن بركوب هذه الموجه وتحويلها الى سياسة دولية. وتصريحات المسئول الفرنسي تأتي في اعقاب تأزم امريكي فرنسي نشأ اصلا عن تعليقات انتقادية ضد الولايات المتحدة من وزير الخارجية الفرنسية هوبير فيدرين وصف فيها السياسة الخارجية الامريكية بأنها ذات «نزعة تبسيطية». وهذه عبارة بليغة تحمل ما تحمل من الدلالات العميقة. ومغزى «التبسيط» في هذا السياق هو ان الدبلوماسية الامريكية مفلسة. فليس لدى الولايات المتحدة حل او مشروع لأي ازمة في اي بقعة من العالم. المشكلة الفلسطينية والمسألة العراقية ومشكلة ديون العالم الثالث ومشكلة الاحتباس الحراري العالمية.. كل هذه المشاكل على سبيل المثال لا الحصر ليس لدى صناع القرار الدبلوماسي الامريكي تصور لكيفية حل اي منها عن طريق الحوار التفاوضي. ولأن الدبلوماسية الامريكية مفلسة من الافكار الابداعية فانها لا تقدم الى العالم الا تصورات تبسيطية. فالقضية الفلسطينية مشكلة امنية «بسيطة» سببها «الارهاب الفلسطيني» والمشكلة العراقية «ابسط» فحلها يتمثل فقط في الاطاحة بنظام الرئيس صدام. اما بالنسبة الى ازمة ديون العالم الثالث التي تكرس الفقر بين شعوبه فإنه لا حل لها.. واذا امتنعت دولة فقيرة عن مواصلة سداد الديون القاتلة فانها يجب ان تدفع بالارهاب وتشن عليها حرب تأديبية. وبينما ترفض واشنطن صيغة الاتفاق الدولي لخفض الانبعاثات الكربونية التي تتسبب في استمرار ارتفاع معدلات السخانة في مناخ العالم فتهدد بكارثة لا يعلم مداها الا الله فانها ترفض او بالاحرى تعجز عن تقديم حل بديل. على ان وصف «التبسيط» الذي اطلقه الوزير الفرنسي على السياسة الخارجية الامريكية هو في حد ذاته تبسيط للحالة الامريكية. لقد راعى فيدرين قواعد التهذيب الدبلوماسي. ولو اراد ان يلقي بقواعد التهذيب جانبا لقال صدقا وعدلا ان السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي في الحقيقة «شريعة الغاب» او على اقل تقدير نهج اشهار المسدس.

Email