ابجديات، بقلم: عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما الذي يجب ان يحدث او يتوفر لك لكي تشعر بأنك ناجح؟ بهذا السؤال توجه أحد المحاضرين خلال احدى الحلقات النقاشية الى مدير تبدو عليه مظاهر النجاح واضحة، فهو مثلاً مدير معروف، وذو شهرة في مدينته، علاقاته الانسانية جيدة بجيرانه حيث يسكن، وهو أب لخمسة ابناء تربطه بهم وبزوجته علاقة اسرية ناجحة، يتمتع بلياقة جسمانية واضحة، ويشارك في بعض مباريات الجري التي ينظمها ناد ينتسب اليه، ومع ذلك فهو يردد دائما بأنه انسان غير ناجح او لم يصل للنجاح بعد! وبعد ان سأله المحاضر عما يجب ان يكون كي يشعر بأنه ناجح عرض بأنه سيشعر باقترابه من النجاح حينما يرتفع راتبه السنوي ليصبح 3 ملايين دولار (وهو يتقاضى 15 مليون دولار) كما ان نسبة الدهون في جسمه يجب ان تكون 8% (وهي الان 9%) ويجب الا يخيب امله في ابنائه (وقد كان لأبنائه الخمسة توجهات معينة لا يرضى عنها)!! قد ينظر الكثير منا الى اجابة هذا الرجل باستغراب أو بغضب ربما، لكن مثل هذا الرجل كثير في الحياة، رجالا ونساء، فبينما يمتلكون كل مقومات النجاح والسعادة الا انهم لا يتحصلون من السعادة إلا على اقل ما يمكن، واما النجاح فيعتقدون ان بينه وبينهم امدا طويلا، ولذلك يبقون حياتهم كلها يراكمون دلائل النجاح وعلامات السعادة امامهم لكنهم لا يعيشونها ولا يستمتعون بها، وكأنهم يمشون في داخل نفق بلا ضوء في نهايته، او يمضون حياتهم داخل التيه! هناك مقاييس قياسية قاسية وضعوها لأنفسهم كي يؤمنوا أو يقتنعوا بالنجاح الذي يخططون له أو يرسمونه لانفسهم، وطبقاً لهذه المقاييس القياسية فان هؤلاء الرجال أو النساء يمكنهم ان يكونوا ناجحين جداً وبكل مقاييس البشر العاديين وغير العاديين، ومع ذلك فهم يشعرون دائما بالخسارة وعدم الاقتراب من بوابة النجاح، ذلك لأن المقاييس المستخدمة لديهم ليست منصفة بل ظالمة ولاانسانية على الاطلاق. ظالمة لانها تظلم الانسان نفسه وتحرمه متع الحياة ومباهجها في ظل نجاح واضح وسعادة متاحة، ولا انسانية لانه لا يظلم نفسه فقط بل يظلم شريكه في الحياة وابناءه وربما أصدقاءه وموظفيه في العمل، فكلما زاد شعوره بالخسارة وعدم النجاح الذي يرسمه لنفسه، زاد احساسه في المقابل بالاحباط أو الغضب أو الاخفاق وبالتالي فإن هذه العواطف السلبية سوف تؤثر حتما على الطريقة التي ينظر فيها للآخرين والتي يتعامل بها معهم ايضا، وهذا سر اخفاق الكثير من زيجات المشاهير والاثرياء وسر انحراف ابنائهم أو ابتعادهم عنهم، وسر ادمانهم على بعض العقاقير وسر ترددهم سراً على الاطباء والعيادات النفسية!! وفي مقابل حكاية هذا المدير، كان هناك رجل آخر تبدو عليه مظاهر الفرح الطفولي، فهو يتحدث مع الجميع ويتقافز في كل الانحاء بنشاط ظاهر، لقد سئل هذا الرجل: هل انت ناجح؟ فقال بلا تردد نعم بكل تأكيد! فسئل نفس السؤال: ماذا يجب ان يحدث لك لكي تشعر بأنك ناجح؟ فابتسم واجاب: الامر في منتهى السهولة كل ما علي ان أفعله هو ان انهض صباحاً وانظر تحت قدمي، وأتأكد من انني مازلت حيا ومازلت فوق الارض، فكل يوم تجد نفسك فيه تتحرك فوق الارض يوم عظيم يشعرنا بأننا اناس ناجحون، وامامنا فرص أكبر للنجاح! لاشك باننا نحتاج الى اهداف واضحة نسعى لتحقيقها في الحياة كي نحقق من خلالها ذواتنا وافكارنا التي نؤمن بها، ونحتاج بشكل أكبر الى بريق مستقبل يدفعنا للامام كما يقول أحد الكتاب، لكن ذلك لا يعني ان نكبل انفسنا بقواعد صعبة الى درجة مضحكة ومؤلمة معاً، وبلا داع ابداً!

Email