التنافس الأمريكي الأوروبي في الشرق الأوسط

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع ان الولايات المتحدة الامريكية تعتبر الشريك الاستراتيجي لاسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وتعمل جاهدة على ان تظل اسرائيل متفوقة عسكريا على دول المنطقة الا ان التحولات الدولية التي أعقبت التفجيرات التي شهدتها مدينتي نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر عام 2001 ، غيرت العديد من معطيات الصراع في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة الامريكية التي ادعت انها الشريك الرئيسي في عملية السلام في الشرق الأوسط التي ابتدأت من مدريد عام 1991 أصبحت تميل علنا للطرف الاسرائيلي بحيث انها اعتبرت ما تقوم به التنظيمات الفلسطينية كحماس والجهاد الاسلامي شكلا من أشكال الارهاب، وطالبت السلطة الفلسطينية بتفكيك التنظيمات الفلسطينية كشرط أساسي لاستئناف المفاوضات مع الطرف الاسرائيلي. اما الطرف الاوروبي ممثلا في دول الاتحاد الاوروبي وخاصة الدول الاوروبية الفاعلة فإنها عبرت عن استنكارها للسياسة الجديدة التي يتبعها الرئيس الامريكي جورج بوش والذي حاول برأيها الربط بين ما حدث بالولايات المتحدة الامريكية في 11 سبتمبر والصراع في منطقة الشرق الأوسط حيث اعتبر الرئيس الامريكي المقاومة الفلسطينية بأنها مقاومة ارهابية يتعين على المجتمع الدولي، الذي قالت انه ساندها ووقف الى صفها في محاربة ما اسمته بالارهاب الدولي، ان يساعدها على تفكيك الجماعات الارهابية الفلسطينية لأن هذه التنظيمات تهدد الأمن الدولي وكانت تقصد من ذلك الأمن الاسرائيلي. لقد عارضت دول الاتحاد الاوروبي التوجه الامريكي الجديد ورأت انه لا يخدم مسار السلام في المنطقة وهذا ما جعل الطرف الفلسطيني والعرب يطالب بدور فاعل للشريك الاوروبي في عملية السلام لأنه يعتبر أكثر نزاهة من الطرف الامريكي الذي أعلنت الادارة الجديدة برئاسة جورج بوش دعمها المباشر والعلني لسياسة رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل شارون ومن هذا التحليل يمكن ان نستشف ان طبيعة التنافس الاوروبي الامريكي سوف تتزايد خلال السنوات العشرين المقبلة، وهذا التنافس لا يمكن ان نفصله عن تنافسها على الترتيبات الدولية. فدول الاتحاد الاوروبي تعرف ان الولايات المتحدة الامريكية اتخذت من حوادث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة الامريكية الذريعة لبسط نفوذها على العالم عبر ما تدعيه بمحاربة الارهاب مثلما حاولت اقناع الدول الاوروبية بمحاربة الشيوعية في اوروبا والعالم بعيد الحرب العالمية الثانية، واستطاعت ان تبسط نفوذها على العالم لقرابة الخمسين سنة الى حين تفكك الاتحاد السوفييتي وانهارت المنظومة الاشتراكية في اوروبا الشرقية ولذلك سوف تحاول الولايات المتحدة الامريكية جاهدة الاحتفاظ بمصالحها في الشرق الأوسط عبر اسرائيل، ولكن باضعاف الطرف الفلسطيني والعربي من خلال تضييق الخناق عليه سياسيا وعسكريا الى حين يفكك التنظيمات الفلسطينية التي تتبنى المقاومة لمواجهة الاحتلال الفلسطيني. والملاحظ ان الدول العربية خاصة المتواجدة في المنطقة سوف تشعر باحباط شديد من الانحياز الامريكي لاسرائيل وسوف تضطر الى الانحياز الى الطرف الاوروبي لأنها سوف تعتبره السند الدولي لها في صراعها مع اسرائيل بعد ان كان السند الدولي في السابق الاتحاد السوفييتي ويعني ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية سوف تجد نفسها في منافسة علنية مع دول الاتحاد الاوروبي والتي سوف تعمل جاهدة في السنوات المقبلة لاثبات انها جديرة بالادارة الاقليمية لمثل هذا الصراع المعقد وسوف تستند دول الاتحاد الاوروبي الى النجاحات التي حققتها على صعيد وحدتها كالوحدة النقدية التي جعلتها أكثر التحاماً من ذي قبل. يكفي ان بريطانيا مثلا التي كانت من قبل أكثر الدول الاوروبية انحيازا للولايات المتحدة الامريكية بدأت تأخذ خطوات تتعارض والتوجه الامريكي.ففرنسا تريد ان يكون لاوروبا كيان مستقل ولذلك فإن خلافاتها مع الولايات المتحدة الامريكية بشأن النزاع في الشرق الاوسط سوف تتضاعف في المستقبل لانها سوف تحاول الضغط على الولايات المتحدة الامريكية ـ اذا نجحت دول الاتحاد الاوروبي في تجسيد مشروع الشراكة الاوروبية المتوسطية ـ على قبول مشاريعها السلمية لاقامة السلم في المنطقة، ان اوروبا تحاول ان تنجح في ايجاد حل للنزاع في الشرق الاوسط ولكن الولايات المتحدة الامريكية كانت تعرقل المشاريع الاوروبية مثلما عرقلت المشروع الاوروبي لاحلال السلام في كوسوفو لانه برأي الولايات المتحدة الامريكية اذا نجحت اوروبا في حل النزاع الشرق اوسطي فإنه سوف تكتسب مصداقية دولية اكثر لدى دول العالم، وهذا ما سوف يعزز من موقع الاتحاد الاوروبي في الترتيبات الجارية لاقامة النظام الدولي الجديد، فدول الاتحاد الاوروبي وخاصة الدول الاوروبية المتوسطية لاتزال تعتقد انها معنية اكثر من ذي قبل بالنزاع في الشرق الاوسط وخاصة بعد ان وقعت معظم الدول المتوسطية على اتفاقية برشلونة التي رأت فيها الدول الاوروبية انها تمثل ورقة هامة عليها ان تلعبها في صراعها على ادارة المنطقة في المستقبل، فاسرائيل وفلسطين تعد دولا متوسطية ومن حق الدول الاوروبية الشريكة في اتفاقية برشلونة ان تشارك في الترتيبات لاقامة سلم دائم في منطقة الشرق الاوسط، ومن هنا يمكن القول ان دائرة النزاع بين الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي سوف تتوسع في المستقبل لان الولايات المتحدة الامريكية اصبحت تنظر للنزاع في الشرق الاوسط على انه نزاع لا يمكن فصله عن الحرب التي اعلنتها ضد ما اسمته بالتنظيمات الارهابية وهي تعتقد انه لا يمكن التقدم في ايجاد حل للنزاع طالما لم تتخل التنظيمات الفلسطينية عن خيار المقاومة وهذا ما ترفضه معظم دول الاتحاد الاوروبي التي اعطت الحق للتنظيمات الفلسطينية للرد على الجرائم الاسرائيلية التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني، كما ان التنظيمات الفلسطينية لا يمكنها ان تتخلى عن خيار المقاومة والانتفاضة لانها تعتبرها الورقة الرابحة التي يمكن من خلالها ان تضغط على اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية لتنفيذ الاتفاقات التي وقعت اسرائيل عليها مع السلطة الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في وضع صعب للغاية نتيجة للتفوق الاسرائيلي العسكري والدعم الذي تلقاه اسرائيل من الولايات المتحدة الامريكية وخاصة بعد حوادث 11 سبتمبر بالولايات المتحدة، فإنه يمكن القول ان خيار المقاومة سوف يستمر في المستقبل لان السلطة الفلسطينية لا تخسر شيئا بعدما ادركت ان الولايات المتحدة الامريكية قد تخلت عن حيادها الذي قالت انها تلتزم به عندما رعت مفاوضات السلام منذ مؤتمر مدريد عام 1991 وبالتالي فإن الانتفاضة بالنسبة اليها حق مشروع لشعب يريد ان يسترد حقوقه المشروعة وهذا ما تتفق معه دول الاتحاد الاوروبي التي لم توافق الولايات المتحدة الامريكية باعتبار التنظيمات الفلسطينية تنظيمات ارهابية ومع ذلك يمكن القول ان التصور الامريكي للصراع في الشرق الاوسط سوف ينتصر على التصور الاوروبي لاعتبارات استراتيجية تتعلق اساسا بالتفوق الامريكي العسكري والاقتصادي على دول الاتحاد الاوروبي. ـ كاتب جزائري

Email