حكاية أب وبنت ـ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يفكر أب مسلم في الهجرة من وطنه الى اوروبا او الولايات المتحدة ومعه عائلته فليأخذ في الاعتبار اولا ان اطفاله ربما يفقدون هويتهم الدينية من حيث القيم السلوكية، اما اذا ولد الاطفال ونشأوا في المهجر فان هذا الاحتمال يصير حتميا. هذه الخاطرة تتجدد في ذهني كلما سمعت او قرأت حكاية تتعلق بمآسي التناقض الثقافي الحاد مما يجري في المجتمعات الغربية لأسر المهاجرين المسلمين. احدث قصة وردت الاسبوع الماضي في الصحافة البريطانية وهي تتعلق بأسرة تركية تقيم في احدى مدن السويد لقد قتل الأب ابنته الشابة باطلاق الرصاص على رأسها في حضور والدتها وشقيقتها الصغرى. والجريمة على بشاعتها ليست في الحقيقة سوى حلقة اخيرة درامية من مسلسل طويل من الخلافات اليومية بين الأب وابنته الناشئة اساسا من تناقض بين رؤيتين لقيم السلوك الشخصي لا سبيل اطلاقا للتصالح او حتى التعايش بينهما، فبينما لايزال الاب ملتزما بالقيم الاساسية ذات المنشأ الديني التي يضبط بها الشخص المسلم سلوكه الذاتي اليومي وتعامله مع المجتمع وعلاقاته عموما داخل الاسرة وخارجها، فان ابنته الفتاة تمارس بصورة طبيعية قيما مضادة تماما للمباديء الاسلامية مما تلقته على طول الخط منذ مرحلة الحضانة والروضة عبورا بمراحل التعليم المدرسي الى مستوى الجامعة من العادات السلوكية لثقافة المجتمع العربي. واذا كان مقتل الفتاة على يد والدها في حضور أمها واختها مأساة تصيب بالصدمة كل من يسمع او يقرأ القصة فان تفجر التناقض المتنامي بين البنت وابيها كان حتميا على كل حال. والسؤال الذي يجب ان يطرح هو، من يتحمل الوزر الاكبر في مثل هذه الحالة: الفتاة أم الأب؟ لا اطرح السؤال من منظور قانوني تجاه حادثة قتل وانما من المنظور الثقافي الاعرض .. فأقول اذن: هل نلوم الفتاة على اعتناقها قيما سلوكية لثقافة حضارية تتعارض مع الاسلام ومبادئه الاخلاقية؟ لنستذكر اولا ان فاطمة ساهندال، وهذا هو اسمها، ولدت وتربت في السويد، وما كان لها ان تنشأ في هذا المجتمع الغربي، حتى لو ولدت في موطنها الاصلي تركيا واخذت الى السويد وهي في مرحلة الطفولة، لولا ان الأب اتخذ ذات يوم قرارا مصيريا بالهجرة ليعيش حياته مع اسرته في مجتمع غربي ليبرالي غير مسلم. والحال كذلك اشك في ان من الانصاف القاء اللوم والمسئولية بالدرجة الاولى على فاطمة. لقد كان على هذا الاب المسلم ان يدرك سلفا عند اتخاذ قراره بالهجرة، او حتى بعد استقراره برهة في المهجر، انه امام خيارين مصيريين: اما الاندماج في المجتمع الجديد، مما يتطلب بالضرورة قبول قيمه السلوكية بتناقضها الرأسي مع القيم الاسلامية او الانعزال عنه .. وان يدرك ثانيا انه اذا استطاع بخلفيته الاسلامية كشخص راشد ان يقاوم الاندماج فان الاطفال ليسوا مؤهلين لهذه المقاومة. ولو تريث وتفكر لربما عدل عن قرار الهجرة ..ولتحاشى بالتالي نشوء ظرف غريب يفضي به الى اطلاق الرصاص على ابنته الشابة. لقد جاءت حادثة القتل عندما بلغ التناقض بين الاب المسلم وابنته اعلى ذراه، فقد قررت البنت التزوج بشاب غير مسلم واصرت على قرارها رغم توسلات الوالد. واحسب ان التناقض الثقافي واضح في هذه الحالة: فموقف الاب يمثل العقيدة الاسلامية التي تحرم زواج المسلمة بغير المسلم بينما يمثل موقف الابنة منظومة القيم السلوكية الغربية وفي مقدمتها تقديس الحرية الشخصية في امر الزواج وغيرها الى درجة الاباحية الكاملة. ويا لها من مأساة مؤلمة تتكرر وتتعدد اشكالها بين الاسر الاسلامية في مجتمعات الغرب.

Email