طروحات هنتنجتون وفوكوياما أساس الفكر السياسي الأمريكي الجديد، بقلم : د. خير الدين العايب

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترمي طروحات صمويل هنتنجتون وفرانسيس فوكوياما الى تعميم المشروع الليبرالي الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية على دول العالم وجاءت هذه الدعوة عقب تفكك الاتحاد السوفييتي حيث اعلنت الولايات المتحدة، خلالها عن رغبتها في اقامة نظام دولي، يتماشى ومصالحها في تنفيذ مشروعها الجديد، يقول هنتنجتون ان النموذج الامريكي سوف يصطدم بقيم حضارات اخرى من بينها الحضارة الاسلامية، وكان يقصد من ذلك ان الدول الاسلامية سوف ترفض التكيف مع التحولات الدولية التي يسعى النموذج الليبرالي الامريكي الى تعميمها على دول العالم، فالدول الاسلامية سوف تجد ان النموذج الامريكي يتعارض مع مباديء الاسلام من حيث القيم والاخلاق والسياسة والاقتصاد ومن غير المنطقي ان تأخذ الشعوب الاسلامية بعادات وتقاليد وقيم دخيلة عليها، او ان يغير العالم الاسلامي في مناهج التربية والاخلاق الاسلامية لصالح المناهج الليبرالية. ذات التصور يمكن ان نقوله عن طروحات فوكوياما فهو يطرح فكرة استعمارية بحتة لانه يقول اننا وصلنا الى نهاية التاريخ الانساني بانتصار القيم الغربية الليبرالية على القيم الانسانية فهو يريد ان يقول لشعوب العالم ان الفكر الامريكي الليبرالي انتصر على الفكر الاشتراكي السوفييتي وبالتالي فهو انتصار كذلك على الفكر الانساني كله وبالتالي على شعوب العالم ان تخضع وتعمل بالفكر الامريكي لان القاعدة التي تحكم العلاقات الدولية ان الطرف الغالب عليه ان يتحكم في مصير المغلوبين ومن حق الغالب ان يفرض طروحاته على المغلوبين لان طرحه هو الافضل، وهذه نظرة عنصرية لانها تحاول ان تقول ان الفكر الانساني لا يمكن ان يتكيف مع لغة العصر الذي يحكمه التكنولوجيا والكمبيوتر والتقنية ومعنى ذلك ان الفكر الاسلامي مثلا هو سبب تدهور العالم الاسلامي في الاقتصاد والفكر والسياسة وبالتالي حسب فوكوياما ان على العالم الاسلامي ان يتكيف مع النزعة الليبرالية التي انتصرت على النزعة الاشتراكية في السابق لان ذلك برأيه هذا هو الواقع الذي على دول العالم ان تسلم به ترويجا للمشروع الامريكي. واذا سلمنا الى ما يذهب اليه فوكوياما من ان الفكر الليبرالي انتصر على الفكر الانساني فمعنى ذلك ان الغرب هو الذي يدفع الى التصادم بين الفكر الليبرالي والفكر الاسلامي والانساني فالفكر الانساني تراث مشترك للانسانية، ولا يمكن القول ان الفكر الليبرالي قد انتصر على الفكر الانساني لان ذلك سوف يذكي الكراهية بين الشعوب ويساهم في اشعال حروب لا أول لها ولا آخر واذا حاول الفكر الليبرالي ان يفرض نفسه بالقوة على الفكر الانساني فإنه سوف يلقى في هذه الحالة معارضة شرسة من الفكر الانساني، لانه من الصعب ان يتخلى اي شعب من الشعوب على قيمه ومناهجه الاخلاقية ويذوب في فكر دخيل عليه. فصحيح ان الولايات المتحدة الامريكية تفوقت على الاتحاد السوفييتي الاسبق واصبحت القوة العظمى الوحيدة التي تمتلك مقومات القوة العسكرية والاقتصادية والتي لا يمكن لاية قوة دولية ان تنافسها عليها ولكن لا يعني ذلك البتة ان تفوقها هذا يجب ان يتماشى معه تفوقها الفكري واذا ارادت نشر فكرها السياسي والاقتصادي على دول العالم كما تحاول ان تقنع دول العالم به فإنه لا يمكنها ان تقول للعالم عليك ان تأخذ كذلك بالفكر الليبرالي الامريكي لان ذلك معناه الغاء لكيان دول العالم التي تعيش معظمها في تخلف ولم يتبق لها إلا عاداتها وتقاليدها التي تسعى جاهدة للمحافظة عليها ولا تريد ان تذوب قيمها في حركة الواقع الدولي الجديد الذي تحاول الولايات المتحدة الامريكية ان تفرضه على دول العالم. اذا اسقطنا هذه المقارنة على ما يقع في الحياة الدولية الراهنة تجعلنا نقول ان هنتنجتون وفوكاياما يحاولان تأسيس فكر استعماري غربي جديد تقوده الولايات المتحدة الامريكية واخذت به الولايات المتحدة الامريكية عندما اعلنت عن رغبتها في ترتيب لنظام دولي جديد بعد ان انتهت حرب الخليج الثانية وكان القصد من هذا النظام هو ترسيخ لفكر هنتنجتون فوكوياما وهذا ما يتأكد في العديد من الدلائل التي نشاهدها في الحياة الدولية الراهنة. فاذا كانت الولايات المتحدة الامريكية قد عملت بالواقعية السياسية التي وضعها المفكرون القدامى من امثال هوبر ومورجانتو والتي تقول ان القوة هي الاساس في تحقيق المصلحة وعملت الولايات المتحدة بهذه القاعدة بعد الحرب العالمية الثانية حيث كانت توظف القوة العسكرية من اجل المحافظة على مصالحها وامنها فإن الواقعية الجديدة التي تحكم توجهات الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي هي نشر طروحات هنتنجتون فوكاياما القائمة على توسيع المشروع الامريكي الليبرالي على كل دول العالم، وفي حالة ما اذا حاوت اية دولة معارضة المشروع الامريكي الجديد فإنه سوف تتخذ في حقها اجراءات رادعة. ان الولايات المتحدة الامريكية توظف القوة من اجل ترسيخ مصالحها الجديدة ومصالحها الجديدة تتمثل في المحافظة على ما حققته طيلة العقود الماضية بالاضافة الى مصلحتها في تعميم المشروع الليبرالي، فمنذ انتهاء حرب الخليج الثانية نشاهد اصراراً من الولايات المتحدة الامريكية على فرض هيمنتها على العالم وازداد اصرارها بعد حوادث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن والتي اعلنت فيها انها سوف تشن حرباً على ما اسمته بالارهاب الدولي لان هذا الاخير يشكل تهديداً لمصالحها ولمشروعها في اقامة نظام دولي جديد تعمل الدول فيه بالفكر الليبرالي الامريكي ولذلك اصبح الاعتقاد الراسخ لدى العديد من السياسيين ان الاسلام يعارض التوجه الامريكي وقد تجسدت هذه المعارضة في تبني العديد من التنظيمات الاسلامية في العالم الوسائل العسكرية لمواجهة المشروع الامريكي، الامر الذي جعل الولايات المتحدة تقول ان هذه التنظيمات ارهابية يتوجب محاربتها اي نفس الطرح الذي جاء به هنتنجتون عندما قال ان النزعة الليبرالية سوف تصطدم بالنزعة الاسلامية. ومع الاقرار بأن الاسلام بريء من التهم التي تنسب اليه كما انه بريء من الاعمال الارهابية مهما كان شكلها، الا ان الاسلام لا يقبل ان تهان كرامة المسلمين فمن غير المعقول ان تحاول اي دولة او قوة دولية ان تفرض طروحاتها على العالم الاسلامي وتدعي ان هذا العالم غير قادر على التكيف مع المرحلة الدولية الجديدة او تدعي ان الاسلام يتبنى الارهاب فالاسلام يتبنى العدل وما يسميه الغرب بالارهاب يسميه العالم الاسلامي الحق فمن حق الشعوب الاسلامية ان تدافع عن قيمها وعن حقوقها لانه حق وواجب عليها فما يقع في اسرائيل مثلا يحاول الغرب ايهامنا على انه شكل من اشكال الارهاب وان ما تقوم به التنظيمات الفلسطينية لا يتماشى والمرحلة الدولية الجديدة التي تسود فيها قيم العدالة الليبرالية وحقوق الانسان (حسب المفهوم الغربي) وهي ذات الافكار التي يروج لها هنتنجتون وفوكوياما. من هنا يصبح العالم الاسلامي في مواجهة افكار دخيلة عليه يحاول الغرب عمدا الصاقها به، ومع ان الاعلام الغربي يحاول ايهامنا كذلك بأنه ليست هنالك عداوة او صراع بين الاسلام والمسيحية، الا ان الواقع يقول غير ذلك فسياسة الولايات المتحدة الامريكية اصبحت تستند الى الفكر الهنتنجتوني والفوكويامي وتعمل على اذكاء نار العداء والكراهية بين الاديان وهذه سابقة خطيرة في التاريخ الانساني لان التصادم بين القيم اخطر بكثير من التصادم العسكري فإذا كان التصادم العسكري يمكن له ان يتوقف بزوال مسبباته فانه من الصعب جدا ان يتوقف التصادم الفكري لان العداء الفكري يتوارث بين الاجيال وهذا غير التصادم العسكري الذي يمكن ان يتحول الى اخاء ومصالح متبادلة كما هو واقع بين فرنسا وألمانيا مثلا. من هنا يمكن القول ان العالم الاسلامي في صراع مفتوح مع سياسة تحاول بكل الوسائل ان تفرض قيمها على دوله لانها تعرف ان ميزان القوة مختل لصالحها وان العالم الاسلامي لا يملك سندا دوليا يمكن ان يساعده في حربه الجديدة التي يتعين عليه ان يربحها وإلا لن يكون امامه خيار آخر غير الذوبان في القيم الغربية الليبرالية الجديدة. ـ كاتب جزائري

Email