خط مباشر _ البحث عن تحالف جديد _ بقلم: أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عدا بريطانيا وكندا لم تجد الولايات المتحدة من يناصرها في حملتها المسعورة الهادفة إلى محو العراق من الخريطة السياسية العالمية. لقد انفرط عقد (التحالف الدولي) المكون من 29 دولة الذي صنعت واشنطن تركيبته ثم قادته صوب بغداد لإخراج الدولة العراقية من مجرى التاريخ. ومن المهم جداً أن نتوقف عند هذه الحقيقة العظمى حتى نفهم النقلة الاستراتيجية التي تبشر بها الآن الإدارة الأمريكية الجديدة. فانفضاض القوى الدولية المؤثرة من حول واشنطن هو الذي يضطرها الآن لنقل مراهنتها ضد العراق من دائرة (الشرعية الدولية) الى تفعيل الدائرة العربية لأقصى حد ممكن. ولنستعرض بإيجاز كيف تبلورت هذه العزلة. لمدى أحد عشر عاماً ظل (التحالف الدولي) الذي انطلق ضد العراق تحت راية (عاصفة الصحراء) يتآكل تدريجياً مع تفاعلات المتغيرات الدولية والإقليمية وحرب المصالح الحيوية. وجاءت الضربة العسكرية الأمريكية الأخيرة في 16 فبراير لتكشف لواشنطن قبل غيرها أن (التحالف) لم يعد إلا (صرحاً من خيال.. فهوى) على حد قول الشاعر إبراهيم ناجي. واحدة تلو الأخرى أعلنت القوى السياسية الدولية مواقف لغير صالح الولايات المتحدة. وما بين الإدانة الصريحة أو الضمنية أو الامتناع عن إعلان تأييد لواشنطن كما في السابق تفاوتت ردود الفعل. وتلفتت واشنطن يُمنة ويُسرة لتكتشف انه لم يعد يقف إلى جانبها سوى بريطانيا وكندا. كان في المقدمة فرنسا وروسيا والصين.. كلها اصدرت بيانات تستنكر القصف الجوي للعراق باعتباره عملاً غير شرعي. وكان أبلغ ما أذيع في هذا الصدد بيان من وزير الخارجية الفرنسية هوبير فيدرين قال فيه صراحة: (ليس هناك سند في القانون الدولي لمثل هذه الهجمات). وقال إن واشنطن ولندن تمضيان وحدهما في سياستهما المتشددة وإن فرنسا تريد إنهاء العقوبات الاقتصادية ضد العراق. ومثل هذا ورد في البيانات الروسية والصينية بلهجة أشد وأقوى تحدياً. وألمانيا واليابان اللتان كانتا في السابق تعلنان تأييداً تقليدياً وتلقائياً لأي هجوم أمريكي ضد العراق امتنعتا هذه المرة عن منح هذا التأييد. ولم تكتف تركيا بالنأي بنفسها عن الاجراء الأمريكي, بل أعلنت للعالم على لسان وزير خارجيتها اسماعيل جيم أن الطائرات الأمريكية التي قصفت أهدافاً قرب بغداد لم تنطلق هذه المرة من قاعدة إنجيرليك التركية كما جرت العادة.. وكأنما أرادت أنقرة بهذا أن تبرىء ذمتها من أي تهمة تواطؤ مع واشنطن. وبعد أن أعلن مسئول بولندي رسمي تأييده للغارة الأمريكية أصدرت الحكومة البولندية لاحقاً بياناً رسمياً ينقض تصريح ذلك المسئول وأتبعت البيان بإقالة الرجل.. وذلك على اثر تهديد صدر من بغداد أعلنت فيه السلطات العراقية قطع العلاقات التجارية مع بولندا. أما بقية دول الاتحاد الأوروبي فإن من لم تستنكر الهجوم الأمريكي كالسويد مثلاً التزمت سكوتاً بليغاً على غير العادة. وهكذا, دفعة واحدة, انهار (التحالف الدولي) أمام ناظري واشنطن بعد أن بلغت عملية التآكل التدريجي منتهاها. ومعنى هذا, كما اكتشفت إدارة بوش الجديدة, أنه لم يعد بوسع الولايات المتحدة أن تواصل شن حملتها ضد العراق على صعيد مجلس الأمن الدولي. هذه مرحلة أسدل الستار عليها. وهذا مما يفسر لنا من خلال جولة وزير الخارجية الأمريكي الجديد كولن باول.. لماذا تسعى واشنطن الآن سعياً محموماً لإقامة (تحالف) جديد ضد العراق بالمراهنة على (الأصدقاء العرب)؟ فهل تصيب واشنطن نجاحاً كاملاً؟ أشك في ذلك.

Email