استراحة البيان _ أماني _ يكتبها اليوم: سالم الزمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

(أماني) فتاة جميلة في السادسة عشرة من عمرها, هي ابنة غني من اغنياء الحي الشمالي في تلك المدينة الساكنة على ساحل الخليج قبل هذا التغيير العميق والهائل في هذا البلد بعد البترول. أماني ضحكتها لا تفارق عينيه ذلك الشاب الفقير من ابناء حيّها, ماجد هو اسمه, أسمر ليس بالطويل, شقي كان شقياً كثير النزاع مع اقرانه كثير الشغب ورغم ذلك رغم ان من يراه يظنه لا يعرف العطف ولا الرحمة لما يفعله بأقرانه فهو اذا تشاجر كالقط الشرس يقاتل بأطرافه الاربعة بل حتى بأسنانه الا أنه رغم ذلك عاشق هائم يكاد يذوب خجلاً اذا رأى أماني اذا اطلت من نافذة المنزل على الساحة الرملية التي يلعب فيها ابناء الحي كرة القدم حتى أنه وهو هداف الحي اذا فتحت الشباك ولمحها تسمر مكانه وضاعت منه الكرة وأدرك الجميع أن في الامر شيئاً.. آه انها اماني تطل من الشباك ضاع ماجد ويتصايح اقرانه.. (هيه هيه ماجد أين أنت العب يا أخي) ولكن الذين يحبون أو يتعلقون بأماني كثيرون والغيرة نار في قلوبهم من ماجد كلما ظهرت عليه علامات الهُيام تلك اذا فتح شباك اماني فالذين لا يعلمون عن ذلك شيئاً لا يهمهم من ماجد الا انه لا يلعب معهم يتسمر ليغازل بل ليعلق ناظريه على ذلك الشباك الذي لا يلبث ان يغلق. اما شركاء ماجد في حب أماني فغيورون لانها لا تفتح شباكها الا اذا كان ماجد موجوداً في الساحة. ولطالما افتعل اولئك الغيورون مشاجرات ومصادمات مع ماجد لينتقموا منه وهو وحش كاسر معهم لا يتنازل عن تلك النظرات التي ترمي بها اليه اماني من شباكها القريب البعيد, ثم حينما لم يجد الغيورون بدا ولا حيلة بدأوا يخططون لاكثر من ذلك بدأوا يهددونه بأنهم سيخبرون أخاها حميد بذلك وحميد أكبر من ماجد انه مرشح في مدرسة الشرطة يعود كل خميس فإذا عاد لا يفتح شباك أماني لانها تخافه فهو شاب فتي شرس الطباع عنيف يخشاه جميع فتيان الحي وهم يتقربون اليه لأكثر من سبب لأنه قوي عنيف ولانه ابن عبدالله بن عامر ذلك التاجر الغني ذو المنصب في الحكومة بالاضافة الى تجارته. ولانه غني يصرف بلا مبالاة في رحلاته معهم وفي جلساته في المطعم القريب فهم يأكلون ويشربون على حسابه ويدخنون ايضا. لذلك فهو ذو جانب مهيب عند كل فتيان الحي ولقد قرر الفتيان ان يدسوا بين ماجد وحميد وشاية تجعل حميد يتصدى لماجد ويعلمه درساً في الادب واحترام النفس. ولقد حصل ذلك حين اجتمع عفاريت الحي منافسو ماجد الغيورون منه غانم وبلال وسلطان واتفقوا على ان يتبرع واحد منهم لابلاغ حميد بأن ماجد يغازل اخته في غيابه ولكن من هو ذلك الشجاع الذي يستطيع أن يبلغه بذلك ويثير غضبه ولم يتشجع احد منهم لذلك اتفقوا على أن يغروا (عبود) وهو ولد (عقله كما يقال على قده) يعني هو اقرب الى الجنون منه الى العقل, أن يغروه (بريال) لكي يرمي بذلك الخبر الى حميد شقيق اماني. وفعلا ذهب هذا المجنون عبود بحماقته وصرخ في وجه حميد باسم ماجد فلما قال له حميد مستغرباً الامر قال له: ماجد يحب اختك يغازل اختك وهرب. واستشاط حميد غضباً وذهب الى الملعب حيث اجتمع كل الشباب للعب الكرة عصر ذلك اليوم وامسك بثياب ماجد يتشاجر معه يهدده بالقتل وماجد مستغرباً من ذلك لا يعلم بتلك المؤامرة ودارت بين الاثنين معركة لم تنته إلا بعد خسائر وجروح ولطمات حتى مر أحد رجال الحي وفرق بينهما وذهب كل لحاله وهكذا لم يعد شباك اماني يفتح الا قليلا أو لا يكاد يفتح, ومنها قلت فرصة ماجد في الاقتراب من حلمه القديم ولكنه اصر عليه ووضعه في قائمة امانيه بل اولها ومرت الايام والفجوة تزداد بين ماجد وحميد والهوة تزداد بين ماجد وحلمه خاصة بعد موت والد ماجد الامر الذي اضطره الى العمل وترك الدراسة ثم تغيرت الاحوال وتفرق اهل الحي وأول من انتقل منه اهل أماني الى منطقة جديدة فيها بيت أكبر هو في الحقيقة قصر كبير اما ماجد واخوته الصغار وأمه فقد انتقلوا الى منزل شعبي حصلوا عليه بشق الانفس بعد تدخل ذاك وهذا من اعيان البلد, وماجد رغم خروجه من المدرسة وعمله موظفاً في وزارة الصحة في المخازن الا انه اصر على مواصلة تعليمه حتى انتهى من الثانوية ثم حصل على اجازة دراسية درس فيها الادارة في الجامعة في داخل البلد حتى تخرج, فلما تخرج لاح في خاطره ذلك الحلم العزيز القديم فباح به الى امه التي اخفت حزنها من ذلك لعلمها بالنتيجة سلفاً ولكنها ابدت استعدادها للذهاب لطلب اماني وأخبرت اخاها بذلك, كان عبدالرحمن خال ماجد رجلاً ورعاً اماماً في مسجد الحي الشعبي ولكنه لم يخف تردده امام ام ماجد لكنه وافق تحت الحاحها وذهب الجميع بعد بحث طويل عن منزل الوجيه عبدالله بن عامر والد أماني وبعد ان اتصلت والدة ماجد بوالدة اماني وحددت معها موعداً للزيارة, وزار الجميع ذلك البيت الرفيع وهناك وبعد ترحيب ومجاملات قصيرة مقتضبة من قبل تلك العائلة الغنية, الام التي تتكلم بنبرة تعال غريبة على أم ماجد ووالد اماني الذي استغرب الزيارة فلما عرف امتعض وكاد ان يصرخ في وجه ذلك الشيخ المسن الوقور ونظراته تقول من انتم حتى تتجرأوا على طلب يد أماني لابنكم ايها الفقراء. وعاد الكل خائباً الا ماجد فقد عاد رجلاً قطع كل صلة له بذلك الحلم لانه لا يساوم على كرامته ولن يساوم على كرامة اهله, حتى ولو كان ذلك في سبيل حلمه الجميل. وعاد ماجد مصرا على أن الحياة لا تنتهي عند ذلك الموقف. ثم تزوجت اماني من ذلك الحلم الذي في رأس ابيها وامها بعد طول انتظار, زوجوها لثري كبير في السن ولكنه ثري ابناؤه من زوجته الاولى في الجامعة, اما هي فقد فرحت بذلك اولا ثم لما مرت الايام عرفت ان الزواج ليس الثراء وحده بل هو السعادة التي لا تشترى بمال. ليتها تزوجت ماجد ذلك الفتى الاصيل عريق النسب قليل المال كثير الطموح انتهى به الحال الى زوجة جميلة صالحة من اهل بلده والى مركز مرموق في مجتمعه حتى اصبح استاذاً في الجامعة. وها هي تفتح التلفزيون وتراه محاضراً في احد المؤتمرات المهمة في بلده وتغلق عينيها على مشهد حياتها البائسة, زوجة شابة في بيت رجل غني, لا اتفاق بينها وإيّاه حتى في أتفه الامور. Salzomr @hatmail.com

Email