الى اللقاء ، انقراض الراقصة،بقلم: حسين درويش

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ رحيل المخرج حسن الامام لم يعد احد يعطي فن الرقص أولوية في الفيلم السينمائي ولكن هذا لا يعني ان الراقصة انقرضت من الفيلم, بل يعني انها خرجت من الفيلم الى الشارع والبيت والمقهى والمطعم ولتصبح فرداً حاضراً في كل مكان. فقد بدأت السينما العربية منذ الاربعينيات تقدم الرقص كوجبة دسمة في الفيلم يحبها المشاهد ويحبذها وينتقد الفيلم الخالي من الرقص, ولكن الحياة ذاتها منذ الاربعينيات وحتى وقتنا الحالي لم تكن تشجع الرقص كثيراً, ووضعته في خانة الاخلاق الفاسدة, وحرمت الرقابة مشاهده من الفيلم الذي يعرض تلفزيونياً, وكاد خبز الراقصة ينقطع من الحياة لولا اكتشاف موهبة التمثيل لديها, وهي موهبة متواضعة ولكن ضمنت لها وجوداً بين ممثلي الصف الأول, وخاصة في ادوار المعلمة التائبة. وكل ما تقدم ليس انتصاراً للراقصة سلوكاً او قيمة اجتماعية, بل مقدمة لكي نقول ان الرقص يساعد على الانتشار ويغطي على نقص الموهبة وسنضرب أمثلة على ذلك, مثلاً هناك عشرات المغنيات اللواتي لا يملكن من حلاوة الصوت شيئاً يذكر, ولكنهن نحيفات ويلبسن ثياباً تناسب الاعجاب! ويرقصن عندما يقلن (آه) وهي (آه) قصيرة لا تتجاوز العشر ثواني ولو قلن (آآآآآآه) طويلة لانقطع نفسهن وتحشرج صوتهن وأصبحت الاغنية كأنها صعود درج في ظلام دامس, لذلك يرقصن لتعويض المشاهد ما خسره من وقت وهو جالس امام التلفزيون يقزقز الفستق ويحتسي شراباً بارداً, وقد قلنا المشاهد ولم نقل المستمع لان الاغنية صارت تسمع بالأعين هذه الأيام وهذا يعني ان الراقصة جاءت من السينما الى التلفزيون واستعاضت ببذلة الرقص الشفافة بنطالاً ضيقاً وقميصاً يكشفان ما كانت تستره بذلة الرقص الكلاسيكية. ومن الأمثلة الاخرى التي تعيش معنا كل يوم (المذيعة) التي سرعان ما تتحول من سيدة محترمة تقرأ الاخبار الى راقصة تقدم لنا اغنية جديدة (بتعقد) وتبدأ التمايل على نغماتها ولا تتوانى عن ارسال القبل على الهواء الى احد المشاهدين الذي خصها برسالة شخصية, واذا كانت ترتدي بنطالاً وقميصاً على شاكلة صديقتها المغنية فإنها ستقدم برنامجها واقفة لكي يرى المشاهد قدها المياس ونحالتها المرضية, اما اذا كانت ترتدي ثياباً قصيرة فإنها ستجلس وتضع ساقاً على ساق طمعاً في استقطاب عدد أكبر من المشاهدين, وهذا يعني ايضاً ان الراقصة هجرت السينما واصبحت امرأة محترمة تطل علينا من التلفزيون كل يوم وخاصة عندما تجلس الاسرة لتناول الغداء. ولأن الحياة أصبحت راقصة فليس غريباً ان تتعدد المواهب لدى هؤلاء كما كان الأمر في العصر العباسي الذهبي حيث كان الشاعر فلكياً وطبيباً ولغوياً ومترجماً وقفاء أثر... الخ, وهذا ينطبق شكلاً على الراقصة المغنية المذيعة الدليلة او الشاعرة التي تتحول الى كاتبة وتبدأ تنافس أهل الكار في رزقهم لأنها موهوبة وشاملة واللهم لا حسد ولكنه لا ينطبق عليها فعلاً فهي لا تجيد من كل مهنها السابقة سوى الرقص لذلك تغني وترقص, تذيع وترقص تمشي وترقص, تقرأ وتتراقص حتى طلوع الصبح. وامعاناً في التأكيد ان الحياة اصبحت راقصة مع هذا التقدم التكنولوجي راقبوا الهواتف النقالة التي باتت ترن موسيقياً ومبرمجة حسب الاغنية التي يحبها صاحب الهاتف النقال ولم يعد احد يميل الى الرنين الكلاسيكي واذا كان الامر غير ذلك فهل يتطوع احدكم ويشرح لنا كيف ان الحياة ليست راقصة مع عشرات النغمات لاغنيات شائعة تتصاعد من هواتف زملاء في العمل او في الشارع او المقهى او البيت.. الخ وجميعها ترن على نغمة (ناري نارين) بالهندي والعربي يا حبيب العين؟!

Email