اخر الكلام ، بقلم : مرعي الحليان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل موظف في مكان وظيفته حارس امين على مقدرات وطنه, وكل موظف بسيطا كان ام صاحب نفوذ ويد مبسوطة على تلك المقدرات هو جندي مفتدى للصالح العام, هو عين الوطن, هو ضميره اليقظ, هو نبضه وشريانه, هو الوطن نفسه. ومتى ما خان وظيفته خان ترابه واهله وناسه وضيع هيبة الوطن. كل موظف مسئول وكل مسئول موظف تحت راية العهد والامانة ومتى ما ضاعت الامانة فقدت الوطنية في دوامات الضياع وتفشى الخراب وصار جدار الامانة ادنى من سطح البحر وحطاما ينعق بوم الشؤم بين تجاويفه وخرائبه. ابسط الوظائف قد تصبح اثما لا يغتفر فيما لو سولت نفس صاحبها له استغلال صالحها العام لاغراضه واطماعه الشخصية, وابسط الوظائف قد تجر وبالا لا تحمد عقباه فيما لو جير صاحبها صالحها العام لاغراض غير شريفة, وابسط الوظائف قد تتيح هدم دعامات مجتمع وتهدد وجوده, ولنا في الاحداث والتاريخ قصص كاد شعر الرأس يشيب من هول ما جرته على اوطانها وحضاراتها من نتائج وخيمة كان مصدرها موظف بسيط في وظيفة لا يشعر الفرد بأهميتها ولا يلقي بالا لها, لكن استغلالها كان خطرا خطورة خطأ يرتكبه جنرال حرب في ساحة الميدان. اثناء حرب الجاسوسية بين الامريكيين والسوفييت, وبينما كانت غواصات الطرفين تناور في ظلمات الاطلسي وتعليمات القيادتين السرية تعبر الاجواء بالكلمات والرموز المشفرة كان عامل تنظيف في احدى الغواصات يمسك مكنسة وقطعة قماش متسخة اهم بكثير عند الطرف الاخر من كل هدير الغواصات والبوارج, فقد كان هذا العامل البسيط ملما بتلك الاسرار الخطرة لان مكنسته المتسخة والتي لم يأبه لها مهندسو العمليات كانت وسيلته الوحيدة لدخول الاماكن المحرمة على الضباط, ولان صاحب المكنسة قد باع شرف مهنته وضميره فقد استطاع ان يعري بلاده امام الطرف المضاد. وفي التاريخ مثل هذه الحادثة وغيرها الكثير. خيانة الوظيفة, خيانة وطن, استغلال الوظيفة, استغلال وطن, وفي الحالتين يتساوى في التفريط بالامانة الفراش والبواب والمدير, وفي الحالتين ايضا ومهما بلغت دقة الرقابة ودقة مكافحة الفساد من السيطرة والسطوة والاداء المطلوب فان تربية وازع الضمير والحرص بالامانة وقبل ذلك كله ارضاء الخالق في خلقه تبقى هي الحواجز الاولى التي تحول دون الوقوع في مستنقع اغراء خيانة الوظيفة بكل اشكاله. ويبقى دائما هذا الوطن في راحة اليد اليمنى والامانة في راحة اليد اليسرى ولا مساومة على ما في الراحتين.

Email