الى اللقاء، العلاج بالحشرات، بقلم: هاني جابر

ت + ت - الحجم الطبيعي

هجا أحد الشعراء آخر يدعي الفهم والذكاء فقال فيه (تفتق فيك الغباء ذكاء) وهنا يبدو أن ثمة ردة في الشيء ليتجه بنفسه إلى النقيض, وهذا حقيقي وواقعي في حياتنا وإن قالها شاعرنا ساخرا من القدرات الذكائية (الخارقة) التي يتمتع بها الشخص المهجو. وفي إطار ما تؤكده العرب في أقوالها, الشعبية مثل (الزائد أخو الناقص), وقول (عندما يزيد الشيء عن حده ينقلب ضده) أو (يضع سره في أضعف خلقه). يبدو أننا مضطرون لتطبيق هذه المفاهيم التقليدية التي لا تخلو من الحكمة والفلسفة القديمة على أحدث ما توصلت إليه المنظومة العلمية الصينية في محاربة مرض الإيدز باستخدام عصارات معينة من الصراصير, ومضطرون أيضا لتطبيقها على بعض المختبرات العلمية الغربية التي توصلت إلى أن مستخلصات عصارات الضفادع تعد من أقوى المضادات الحيوية التي يمكن للإنسان أن يستخدمها في قهر أعتى الأمراض وتمديد حياته إلى أقصاها. ويمكن القول بأن لمسيرة التقدم العلمي تعقيدات تجعل منها شديدة الهيبة والجلالة لدرجة أن التفاسير العلمية للتراكيب الكيميائية والمستخلصات المخبرية تطيح بالطب الشعبي إلى أسفل قدر ويكون النقيض في كثير من الأحيان على الرغم من أن دراسات تطبيقية تخرج علينا بما هو متعارض تماما مع دراسات وتطبيقات علمية أخرى وليس مع الطب الشعبي نفسه, ولكن الطب الشعبي أقرب لأن يكون المذنب والضحية في ذات الوقت لأن ليس لديه من المعطيات العلمية ما يدافع بها عن نفسه. وكثيرا ما يغرق مرضى الحالات المستعصية الباحثون عن ضالتهم في العلاج دون جدوى في اطار وجهات النظر العلمية المتناقضة المبررة, فيجد نفسه مضطرا إلى العودة إلى الطرق التقليدية مثل فرك الجروح بالحشرات والنباتات, أو أكل ما لا يطاق طعمه من الخلطات العشبية. وإن كان يفعل ذلك مرغما فإنها أحد الحلول المتأخرة والتي لا ترهب المريض في أتون التناقضات العلمية التي فقد الأمل منها كعلاج ناجع وشاف فهي أمست بالنسبة له غير مقنعة إطلاقا, وما نقوله هنا ينطبق فقط على الأمراض المستعصية مثل السرطان والإيدز. ويبدو أنه كلما استعصى على العلماء إيجاد حل كيميائي ميكروسكوبي لداء ما, فإنهم يلجأون إلى موروث تجارب الشعوب في علاج أمراضها, فالعالم الصيني لي شونان, وهو عميد قسم الصيدلة في معهد يونان الطبي امضى اكثر من 20 عاما في اجراء ابحاث على الصراصير مستوحيا الفكرة من تقاليد تتبعها اقلية عرقية في اليونان تستخدم هذا النوع من الحشرات في علاج الجروح المفتوحة. وللشعوب مخزونها الطبي الذي لا بد لمراكز الأبحاث العلمية أن تعيد قراءته من جديد على أساس تطبيقي علمي, وأن تأخذ بعين الاعتبار طقوس ومراحل استخدامات هذه العلاجات الشعبية والتي فيها أبعاد نفسية مساندة للعلاج التطبيقي, فهذه الشعوب استطاعت بمبدأ تجربة الخطأ والصواب أن تصل إلى خلاصة علاجات مفادها أن الإنسان ابن الطبيعة يقاوم المرض باللجوء إلى الطبيعة ذاتها, ونحن هنا لا ندعو إلى ردة علمية مثل ردة صديقنا الشاعر وإنما ندعو مراكز البحث العلمية العربية أن تعيد دراسة الأدوية الشعبية العربية, فلا يمكن أن يكون هنالك علم مطلق دون الاستدلال بالإنسان ذاته وتاريخه في مقاومة المرض. الطبيعة ملاذ البشر في الحياة والموت, وبالتأكيد فإن البحث العلمي سوف ينقي موروثنا الشعبي من شذرات الموت وينمي من أعمدة الحياة فيه.

Email