أبجديات، بقلم: عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

قرأت منذ مدة خبرا مفاده ان الكاتب المصري محمود السعدني وقف امام محكمة جنح الجيزة بمصر ليطالب وزير التموين المصري بتعويض قدره مئة ألف جنيه لادعائه على الوزير بتهمة السب والقذف، في حقه ضمن تصريحات صحفية ادلى بها الوزير وتناقلتها الصحف, ردا على الكاتب الذي طالب البرلمان بسحب الثقة من الوزير لما سببته سياساته من أزمات عنيفة على رأسها أزمة السكر والغاز. اذن فالسعدني رفع قضية ضد وزير التموين بسبب انبوبة غاز وكيس سكر, لانهما من المطالب الضرورية والحيوية التي يتوجب على الوزير بحكم منصبه ان توفرهما سياساته للمواطن المصري ايا كان واينما كان وله الحق في ذلك, فالرجل يدافع عن حقه وعن حق اكثر من 60 مليون انسان. فماذا نفعل اذا كنا في مواجهة سياسات اقتصادية انانية تتبعها بعض الدول معنا تصل الى درجة تصدير الموت والدمار والجنون؟ ماذا نفعل؟ هل نرفع قضية أم نطالب بتوضيح الموقف أم نحمل هذه الدولة مسئولية ظهور اية حالة من حالات المرض المصدر من قبلها؟ فالمسألة ليست انبوبة غاز ولا كيس طحين او سكر, المسألة حياة بشر, تضعهم هذه السياسات الاقتصادية البراجماتية في مهب الموت بلا مبالاة. والحكاية جاءت ضمن اخبار طيرتها وكالات الانباء فحواها ان صحيفة (ذي جارديان) البريطانية ذكرت انه تم بيع دم ثلاثة متبرعين بريطانيين مصابين بمرض جنون البقر في (11) دولة منها مصر والمغرب وعمان وتركيا, وقد اكدت الصحيفة ان آلاف المرضى في العالم وعددا كبيرا من النزافيين ربما عولجوا بهذا الدم بين عامي 96ــ 2000 وكأنه لا يكفيهم ان يصابوا وحدهم بأوبئة صنعوها بأيديهم وجنونهم فصاروا يصدرونها للخارج. ويبقى الخبر الذي اكدته (الجارديان) البريطانية صحيحا ما لم يصار الى نفيه من قبل الدول التي قالت الصحيفة انها استوردت الدم الملوث وعالجت به مرضاها, كما يبقى السؤال مشروعا: من هو المجنون فعلا البقر ام البشر؟ لقد جن البشر في بقاع كثيرة من العالم, اصابهم سعار الاندفاع في مجاهيل العلم والمال والنفوذ, فاخترعوا الافضل كما اخترعوا مادمروا به حياة البشر, لكن الجشع يبقى المحرك الاول لدى بشر كثيرين غيروا قوانين الفطرة والكون وكيمياء الطبيعة الالهية ليصلوا الى ما يرضي طمعهم, وربما تأتي ازمة او مصيبة جنون البقر كأبرز عنوان على جنون البشر. لقد اكد بعض العلماء هناك بأنهم قادرون على انتاج تركيبة اعلاف من مخلفات المجازر والحيوانات الميتة والمريضة, بهدف تقديم علف يحتوي على بروتين حيواني يعمل على سرعة نمو الابقار وامتلائها باللحم, وفي نفس الوقت تتخلص الحكومات من اعباء ونفقات التخلص من المخلفات بالمعالجات المكلفة او الحرق, وقد اقرت المعامل هناك هذه الصيغة, فكسبت الحكومات مرتين: صرف اقل, ابقار اكثر, والمكسب الثالث وظائف اكثر وتشغيل ايد عاملة لتربية المواشي والدواجن. وانتعشت بريطانيا وفرنسا وهولندا والمانيا, وتوفرت اللحوم وقلت الاسعار, وصدرت كميات من اللحوم فاقت حدود التصور, الى ان جاءت الصدمة عندما تم اكتشاف المرض عام 1996 فكانت الكارثة التي لم يتمكن احد من التستر عليها برغم كل المحاولات, اما خبر الدم فهو حلقة في مسلسل الكارثة! عندما علمت بالخبر صباح الامس كنت احدق في الازرق المترامي امامي واستمتع بفنجان شاي في مكان هادىء وفي صباح رائق, لكنني افقت على الخبر الذي انغرس كالخنجر في قلبي, كما ظل مغروسا في خاصرة الوقت الذي يمر وانا اتخيل رحلة الدم اللعين, والشرايين البريئة التي سيتدفق فيها الوباء اللعين. * فعلا مساكين! وحينما سئلت من؟ قلت: كل البقر وبعض البشر!

Email