الى اللقاء ، (العاصفة) هبت، بقلم: حسين درويش

ت + ت - الحجم الطبيعي

اكثر من صالة سينمائية عربية ومن بينها اماراتية تعرض الفيلم المصري الجديد (العاصفة) الذي يحكي قصة ام مصرية مكافحة تعمل معلمة تفقد زوجها بعد حرب اكتوبر 1973 حيث خرج ولم يعد الى منزله فتسهر، هي لتربية ابنيها اللذين يشبان سريعاً فيذهب احدهما الى العراق للعمل ــ قبيل غزو الكويت ــ ليوفر لشقيقه ولوالدته حياة افضل مما هي عليه, ولكي يجني نقوداً اكثر ينخرط في الجيش العراقي حيث يذهب مع فرقته لاحتلال الكويت وسط صراع نفسي حاد وصدمة قوية من نتائج مغامرته التي قادته الى هذا المستنقع وفي الوقت ذاته ينخرط شقيقه في صفوف الجيش المصري ويتم اختيار وحدته ضمن القوات الدولية التي ساهمت في تحرير الكويت وهذا يعني ان يتواجه الشقيقان في حرب لا ناقة لهما فيها ولا بعير وكل ذلك على خلفية احداث درامية اجتماعية فيها صراع الغنى والفقر, الحب والحرمان, الواجب والعاطفة. وكان هذا الفيلم قد افتتح عروضه في الامارات عدد من ممثليه امثال يسرا وهشام سليم وهاني سلامة ومخرج الفيلم ومؤلفه خالد يوسف الذي عمل فترة مع المخرج الكبير يوسف شاهين حيث بدا واضحاً الاستفادة التقنية من معلمه والتي انعكست ايجاباً على فيلم مصري يعتمد الحركة اقناعاً وليس استعراضاً والذي كنا نتوقعه ليلة افتتاح العروض ان يتحول الافتتاح الى مناقشة وحوارات في الفيلم نفسه والسينما عامة كما يحدث عادة في حفلات العروض الاولى, ولكن يبدو ان منظمي الحدث ارادوه ان يكون مجرد استعراض لابطال الفيلم الذين وقفوا على درج صالة العرض يبتسمون ويلوحون لثلة من الحاضرين الذين كانوا من جيل الشباب ولم يوفروا جهداً وهم يتزاحمون لالتقاط الصور مع الممثلين. صحيح ان تقليد العروض الاولى ليست دارجة عربياً حتى في مصر اكبر الدول العربية في انتاج السينما, لكن الناس تتعلم بالتقليد والمحاكاة, كما تعلمنا من الغرب صناعة السينما فلنتعلم منهم استثمار هذه الصناعة في تثقيف الناس وزيادة معارفهم وتفتيح مداركهم, ولا ضير في جلسة نقاش كان يمكن ان تستضيفها احدى مؤسساتنا الثقافية يكون فيلم (العاصفة) محورها بحضور ممثليه ومؤلفه ــ مخرجه. ولكن ما حدث هو الخبر التالي الذي زين صفحات اخيرة من صحفنا المحلية (نجوم العاصفة في الامارات) وكفى. في حين كان ممكناً ان يتحاور صناع الفيلم مع المشاهدين والمهتمين بالشأن السينمائي في الدولة وهم موجودون لكن لا احد فكر في قضية كهذه بل انها تركت لهؤلاء الذين يجرون حوارات سريعة لنشرها كيفما اتفق, محورها: ايه رأيك بالحب؟ وليه ما تجوزتيش لحد الوقت؟ ومين اللي حينتج فيلمك الجديد؟ لقد مللنا هذا الصنف من التعامل مع ثقافة بصرية قوية وجادة ومؤثرة, كما مللنا القوالب الجاهزة للاحداث الثقافية, وباعتبار ان افتتاح عرض سينمائي حدث استثنائي في الدولة لا يتكرر الا نادراً كان من المفترض ان يتم التعامل معه بطريقة اكثر جدية وتنظيماً وان يتحول هذا الحدث الى دعوة اكيدة للاستثمار في صناعة السينما وخاصة اننا في بلد غني فيه فرص رائعة للاستثمار في مجمل حقول الصناعة والسينما صناعة في دول كثيرة وتدر ربحاً كبيراً على اهلها. ولكن يبقى للحديث امانة يجب البوح بها ان فيلم (العاصفة) رغم قصته البسيطة التي تصل الى حدود الفبركة, فيه الكثير من النقاط التي تستحق التفكير, اذ يكفي انه اول عمل يصور الابعاد الاجتماعية والنفسية لحرب ظالمة دمرت وحدة العرب وشتت شملهم, وان الاداء العالي للممثلين يستحق تقديراً استثنائياً وان التقنية السينمائية للفيلم كانت بمستوى متفوق وكل ذلك يدفعنا للقول ان (العاصفة) ربما يفتح قمقم الفن السابع عربياً.. لينطلق من جديد.

Email