العرب في مواجهة التكتلات العالمية، بقلم: د. أحمد عرفات القاضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وفي ضوء رد فعل الشارع العربي, يتحتم على العالم العربي النظر بجدية واهتمام الى المستقبل خصوصا في ظل التكتلات الدولية التي يحرص العالم المتقدم من خلالها ، على التوحد في صور وأشكال مختلفة اقتصادية وسياسية وعسكرية, كحلف الاطلسي والوحدة الاوروبية ومنظمة التجارة العالمية (الجات), وذلك ان العالم المتقدم ايقن منذ سنوات بعيدة ان المستقبل مرهون بالتكتلات خصوصا في ظل التقدم التقني والتكنولوجي المتلاحق الذي اصبح العالم بفضله قرية كونية صغيرة لا مكان فيها للمنعزل او الضعيف او الصغير. هذا التقدم الذي لا تنتهي ولن تنتهي عجائبه ومفاجآته فرض على العالم المتقدم القفز على مشكلات الماضي والتعامل مع الاحداث بواقعية, بعيدا عن المثاليات والاوهام التي تسيطر على قطاع عريض من المثقفين والمنظرين والمسئولين العرب الذين نسوا ان العالم المعاصر تسلع فيه القيم ويوزن كل شيء فيه بميزان المنفعة والمصلحة والربح والخسارة. ويستطيع العالم العربي ان يشكل وحدة او محورا يوازي المحاور الاخرى او التكتلات العالمية الكبري ويضارعها, ولكن ذلك مرهون بصدق النوايا والعزيمة والمبادرة الى الفعل وليس فقط بترديد الشعارات في المواسم والمناسبات. ويمتلك العرب من العوامل المشتركة التي تكفل بنجاح هذه الوحدة او التكتل او المحور مما لا يتوافر لغيرهم من التكتلات والمحاور الاخرى والتي كان القاسم المشترك الوحيد فيها هو المصلحة المشتركة بين اعضاء هذا المحور او ذاك التكتل, فالعرب لديهم الاصل اللغوي المشترك الذي لا يتوافر لدى غيرهم الحضارة الواحدة والتي يمكن ان تكون تكئة لنهضة جديدة وحافزا لاستعادة مجدهم الغابر بالاضافة الى العقيدة الواحدة التي ألفت بين القلوب والتي عاش في ظلها اهل الاقليات الاخرى من مسيحيين ويهود شرقيين كجزء من هذا الوطن الكبير وتمتعوا بالحقوق نفسها والواجبات كجزء من نسيج العالم العربي. وعلاوة على ذلك الموقع الجغرافي الفريد والممتد في وسط العالم والذي كان وما زال هو موقع الربط بين اجزاء المعمورة, كما تحتوي ارضهم على افضل الثروات التي لا تتوافر في غيرها من الامم, فلديها الاراضي الزراعية الشاسعة والثروة المعدنية المتنوعة وأكبر احتياطي للضغط في العالم والمزارات السياحية والسواحل والشواطىء على مساحات شاسعة تقدر بآلاف الاميال, وفوق ذلك كله الثروة السكانية الهائلة التي لو احسن تطويعها وتوظيفها توظيفا صحيحا لأمكنها في سنوات معدودة ان تضع العرب على طريق نهضة كبرى وحضارة جديدة تضارع الدول والكيانات الكبرى في عالم اليوم. ولقد جرب العرب التوحد من قبل فنجحوا نجاحا باهرا وذلك حينما اتحدوا في حرب اكتوبر 1973م ضد امريكا وأوروبا في مساندتهم للعدو الصهيوني بمده بالعدة والعتاد, فأوقف العرب تدفق النفط مما كان رادعا لهؤلاء الذين يؤيدون اعداء الامة وتكلل سعيهم بالنجاح وفرضوا ارادتهم على الدول الكبرى وقفزت اسعار النفط اضعافا مضاعفة بفضل توحدهم واجتماعهم وحققوا نصرا عزيزا وغاليا على العدو الصهيوني كانت الامة في حاجة ماسة اليه ليعيد اليها عزتها وكرامتها التي امتهنت نتيجة لتكتل الدول الكبرى خلف العدو الصهيوني في حروب متتالية عام 48 و56 و67 حتى فرضته كيانا نشازا وغريبا فوق التراب العربي والارض العربية وما زالوا يريدون ان يمكنوا له اقتصاديا على حساب الوحدة العربية باسم الشرق اوسطية. ولكي نكون واقعين ولا تكون هذه الوحدة وسيلة لمشاركة الفقراء الدول الميسورة في دخلها على حساب مواطنيها, وحتى تحتفظ كل دولة بما تتميز به من خصوصية وتفرد, يمكن ان تكون هذه الوحدة العربية الكبرى من خلال وحدات وتكتلات صغيرة مثل ما هو قائم ودول شمال افريقيا تونس والجزائر والمغرب ووحدة مصر والسودان وليبيا ووحدة بلاد الشام سوريا والاردن والعراق ولبنان وفلسطين على ان تصب هذه الكيانات الصغيرة في الجامعة العربية والسوق العربية المشتركة, ثم في مجلس المؤتمر الاسلامي الذي يعد امتدادا طبيعيا وخطا استراتيجيا يدعم هذه الوحدة العربية ويؤكدها ويتعاون معها من خلال السوق الاسلامية المشتركة, بدلا من الدعوات المشبوهة كالشرق أوسطية وغيرها من الدعوات التي يخطط لها الكيان الصهيوني لكي يتمتع بخيرات هذه الامة ويظل جاثما فوق اراضيها. على ان تبدأ هذه الكيانات الصغيرة في الاهتمام بتصنيع ثرواتها محليا بدلا من تصديرها كمنتج خام والاستفادة من الخبرات العلمية والبحثية في الجامعات العربية والخبرات العربية الموجودة بالجامعات الاوروبية والامريكية وما اكثرها! وكذلك زراعة المساحات الشاسعة من الارض العربية التي تكفي وحدها لاطعام العالم اجمع وهذا ما نجحت فيه الكثير من الدول سواء في الخليج العربي او مصر في مشروع توشكى العملاق ومحاولة ليبيا في اقامة نهر صناعي لزراعة الصحراء, هذا بالاضافة الى ضرورة اقامة نهضة ذاتية ومشروعات صناعية كبرى عن طريق شركات متخصصة برأسمال عربي لانتاج منتج محلي عالي الجودة وبأسعار مناسبة في الاغذية والملابس والسيارات والثورة التكنولوجية كالبرمجيات وهو ما تسعى اليه دولة الامارات العربية المتحدة لاقامة دبي كمركز تكنولوجي عالمي في المنطقة ونجحت في تحقيقه الى حد كبير. ان التحديات المعاصرة التي تواجه امتنا تفرض علينا ضرورة النظر الى مثل هذه الوحدة بجدية والى المسارعة بالتكتل وتحقيق حلم الوحدة الكبرى من طريق اقامة السوق العربية التي من خلالها يتم تبادل المنتجات والسلع من خلال ميثاق شرف تحتمه الاخوة والتاريخ المشترك والظروف اللحظية التي تفرض عليهم ضرورة مواجهة ذلك والنظر اليه بجد واعتبار من اجل مصلحة الاجيال القادمة, وحتى يستطيعوا ان يصبحوا مشاركين في مسيرة العالم بدلا من الجلوس في مقاعد المتفرجين والا اقتلعتنا الرياح الشديدة التي تهب علينا بقوة وعنف. على انه يجب ان توضع شروط ميسرة لتبادل التجارة والسلع بين ابناء الامة فتخفض الجمارك وتسهل عملية التصدير وتكون ما تحتاجه الدولة العربية مما هو متوافر لدى دولة عربية اخرى اولى وأهم بالاعتبار مما هو متوافر لدى الغير كما ان انتقال العمالة وخصوصا المدربة والمعدة بين ابناء الوطن بسهولة ويسر عما يدعم هذه الوحدة ويسارع بتفاعلها وجعلها امرا واقعا وذلك حتى لا نفاجأ بنداء المستقبل ومتطلباته فنقف امامه عاجزين لا نستطيع ردا ولا جوابا. كما ان علينا ان نعي ان العمالة الاجنبية وخصوصا من آسيا والتي تحتشد بقوة يمكن ان تستغل كنقطة ضعف في جسد هذه الامة وأحد عوائق هذه الوحدة المنشودة وذلك ان جمعيات حقوق الانسان والمنظمات الدولية المشبوهة ممن يريدون ان تظل هذه الامة في حالة ترد وانقسام يسعون الى اعطاء هذه العمالة الوافدة حقوق مواطنة في البلاد العربية الغنية بالنفط والتي تتكاثف فيها هذه العمالة بهدف احداث تغييرات جيوسياسية في هذه البلاد حتى يكون هؤلاء الوافدون تكأة للتدخل في شئون الامة بحجة حمايتهم والحفاظ على حقوقهم وهذا ما تردده الابواق المشبوهة من انصار اللوبي الصهيوني في امريكا وأوروبا من ضرورة التدخل للحفاظ على حقوق الاقليات في مصر والسودان. ولا يظن ظان ان هذه مجرد امنيات وأحلام صعبة التحقيق او اوهام ومثاليات تقف الظروف الحالية دون تحقيقها فيقال مثلا كيف تطمح الى تحقيق الوحدة العربية الكبرى في الوقت الذي تعجز فيه الدول العربية عن عقد مؤتمر قمة المواجهة تهويد القدس اقول ان امكانات هذه القوة كبيرة وهم اهلها لو صدقت لقاومت الجبال الشم ان هذه الامة وهي في حالات عجز وخلافات استطاعت في سنوات معدودة ان تعيد تماسكها وتعلو فوق الفرقة لخصام وتهزم اعتى الامم كالصليبيين على يد صلاح الدين الايوبي والتتار على يد قطز وأرى المستقبل القريب يتمخض عن فارس جديد يعيد لهذه الامة صوابها ويهديها سبيل الرشاد ويأخذ بيدها الى الوحدة والنهضة والنصر المنشود بإذن الله.

Email