الأزمة الانتخابية الأمريكية ، بقلم : أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشاجرة القانونية المتشعبة في الولايات المتحدة وبين مرشحي الرئاسة المتنافسين, جورج بوش الأبن عن (الحزب الجمهوري) وآل جور عن (الحزب الديمقراطي) وانصار كل منهما تنهض كدليل دراماتيكي على عبثية النظام الديمقراطي الامريكي حتى من حيث الشكل بعد ان ظل بطلانه ثابتا من حيث المضمون. ان العمليات الانتخابية الامريكية تجري بانتظام في مواعيدها المقررة على المستويات الولائية والفيدرالية موسما تلو موسم لكنها لا تغير شيئاً على الاطلاق في سيطرة قوى رأس المال على مراكز السلطة من مستوى حكم الولايات الى مستوى البيت الابيض عبورا بمستوى المجالس التشريعية الاقليمية والكونجرس القومي. كبرى الشركات العملاقة هي التي تقوم على تمويل الحملات الانتخابية فتقرر عند نهاية المطاف من يفوز ومن يخسر بمن في ذلك رئيس الجمهورية. من هذا المنظور فان العملية الانتخابية على اي مستوى ليست سوى مهرجان احتفالي جانبي. هذا على مستوى المضمون. الآن ومن خلال المشاجرة القانونية المستقرة والمتصاعدة بين بوش وجور يظهر عبث العملية حتى من الناحية الشكلية. المشاجرة تتمحور حول كيفية عد الاصوات الجماهيرية بسبب التقارب غير العادي في النتائج العددية الاخيرة بين المرشحين المتنافسين. هنا ثارت مجادلة بين الطرفين حول دقة العد ما بين الوسيلة الميكانيكية عن طريق الكمبيوتر والوسيلة اليدوية... وما رافق ذلك من تفاصيل ثانوية مثل: هل يجوز استبعاد ورقة الاقتراع غير الواضحة تماما ام يحاول اعضاء فرق الفرز التكهن برغبة المقترع صاحب الورقة؟ ولهذا انتقلت القضية الى المحاكم... لتتكشف الطبيعة العبثية للنظام القضائي الامريكي. القضاة في الولايات المتحدة لا ينالون مناصبهم على اساس شروط الكفاءة المهنية من مؤهلات اكاديمية وخبرة عملية في المجال القانوني وشروط النزاهة والاستقلالية وانما اولاً على اساس الانتماء الحزبي المعلن. وبهذا يكون ولاء القاضي الامريكي في اي مستوى من مستويات التنازع القانوني لا للعدالة وسيادة القانون دون رغبة او رهبة وانما يكون ولاؤه بالدرجة الاولى ولاء سياسياً صرفا للجهة السياسية صاحبة الفضل في تعيينه ـ الحزب. ولكي تتصور مدى اتساع المشاجرة القانونية المتفاعلة وتفاقمها نستذكر ايضاً ان اصحاب المناصب النافذة في الجهاز التنفيذي على المستويين الاقليمي والفيدرالي كحكام الولايات مثلاً, يتولون مناصبهم ايضاً على اساس الولاء الحزبي. ومن هنا نشأت الفوضى التي ظللنا نراها تتفاقم لمدى الاسابيع الثلاثة الاخيرة. فالحزبان (الجمهوري) و(الديمقراطي) في حرص كل منهما على احراز الفوز النهائي يتبادلان الاحتكام في مشكلة عد الاصوات تارة الى اجهزة تنفيذية وتارة اخرى الى محاكم. وعلى التوالي تصدر قرارات واحكام متضاربة ومتناقضة بتضارب وتناقض ولاءات التنفيذيين والقضاة. ذلك ان جميعهم اما (جمهوريون) او (ديمقراطيون). ان القضاة في امريكا ليسوا مستقلين في احكامهم... وهذا هو قلب الازمة الراهنة. القضاة يعرفون ذلك, والسياسيون يعرفون... والجمهور يعرف. النزاع وصل الآن الى منضدة اكبر هيئة قضائية في البلاد... المحكمة الفيدرالية العليا. ولكن هل ينتهي عند هذا المستوى؟ لنستذكر ان غالبية اعضاء المحكمة العليا (ديمقراطيون) معينون حزبياً!

Email