أسبوع حافل بالفعاليات السياسية ، الكويت في قلب الأحداث الدولية ، بقلم: د. محمد الرميحي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هاتفني صديق من المعارضة العراقية كان قد زار الكويت لبضعة ايام قبل ان يغادرها مودعا, وقال لي بنبرة صادقة: لم اشهد في حياتي عملا ديمقراطيا كما شاهدت يوم الاثنين الماضي, وكان هو يوم الاستجواب لوزير الكهرباء ووزير الدولة للاسكان الدكتو عادل الصبيح. ثم اردف الصديق: هل تعرف انني رغم سني التي ناهزت منتصف الخمسينيات لم اضع ورقة انتخاب في صندوق الانتخاب, ولكنني لاول مرة سوف اقوم بهذا الواجب بصفتي بريطانيا في الانتخابات العامة المقبلة في بريطانيا. استدعت رنة صوت الصديق الذي مرت عشرون سنة بعد آخر زيارة له للكويت لاول مرة اصوات الاستجواب وصوت الوزير وهو يفند صحيفة الاستجواب بندا بندا, فتبين كل ذلك العوز الديمقراطي في الكثير من مناطقنا العربية, الى الحوار الحر البناء المنضبط في اطار اصول برلمانية للبحث عن الحقيقة لخدمة المواطنين, هذا الافتقار هو الذي جعل الصديق يتحدث تلفونيا في الصباح الباكر ليوم المغادرة وكأنه ينعي الزمن الفائت الذي حلم خلاله جيل كامل من العرب, بأن يتمتعوا بحرياتهم في اوطانهم. كان ذلك يوما ماراثونيا بكل ما تستدعيه الكلمة من معنى ويوما عصيبا لمن شارك فيه مباشرة وتجربة حياة تقتضي التوقف عندها طويلا: ولكنها تجربة حازت رضاء الجميع, وهي موضع فخر لشعب صغير يريد ان يتبوأ مكانة في هذه الدنيا المعقدة والمتضاربة المصالح. ولا يستطيع احد الادعاء ان النظام الديمقراطي هو نظام مثالي يخلو تماما من الشوائب وأنه لا تخالطه المصالح الذاتية والرغبة في تحقيق مزيد من المكاسب على حساب الآخرين, وبالتالي فهو نظام بعيد عن المثالية النظرية التي يتحدث عنها المتعاطفون مع الديمقراطية والمتبنون لمنهجها. لكننا برغم ذلك نعتقد ان الديمقراطية هي (افضل أسوأ) النظم التي توصلت اليها البشرية لممارسة السياسة والحكم. فالانسان جبل على ظلم بني الانسان, وهذا ينطبق على جميع المجتمعات والشعوب, والنظام الديمقراطي ليس ممارسة الحريات بصورة مطلقة ومن دون اي ضوابط, كما انه ليس مجرد اتاحة الفرصة لابداء وجهة نظر الناس في الامور العامة, ولكنه بجانب ذلك ــ بل قبله ــ مؤسسات فاعلة واحترام لهذه المؤسسات وتمكينها من تطبيق ما صممت من اجله, وهو ايضا مسئوليات قبل ان يكون مكاسب, والمسئولية هي اعظم كثيرا من اي عبء حمله الانسان على كتفيه. ولأن الديمقراطية هي صراع سلمي بين اطراف متعددة في مجتمع واحد, فهي اذن طريقة لايجاد حلول وسط بين المصالح المجتمعية المتضاربة والمتنافسة, وبالتالي فهي اولا: تعني الاعتراف بوجود هذه المصالح وثانيا: الاعتراف بتضاربها ايضا ومن ثم فإن الديمقراطية ليست وصفة سحرية ناجعة لحل مشكلات المجتمع من جهة ومن جهة اخرى ليست ممارستها خالصة من المصالح. في الوقت الذي اشتد فيه النقاش الداخلي حول بعض السياسات المختلف عليها, استقطبت الكويت في الاسبوع المنصرم عددا من الزيارات الدولية. فقد زار الكويت وزير الخارجية الروسي ايجور ايفانوف الذي حمل بين يديه مشروعا لوفاق خليجي, يجد فيه العراق مكانا في منظومة امنية, وكدأب موسكو في السنوات الاخيرة ــ وانطلاقا من مصالحها الخاصة ــ فهي تتحدث عن النظام العراقي وكأنه نظام سوي يمكن ان يسير جنبا الى جنب مع التيار العالمي المتوافق الذي يسود السياسة الدولية حاليا. وقد لقيت هذه الاقتراحات اعتراضات كثيرة, فهي اولا: يصعب ان تحظى بموافقة امريكية. وهي ثانيا: خطة غير عملية لاعادة بناء الثقة بين النظام (الصدامي) ودول الجوار الخليجية, ذلك ان هذه (المنظومة الامنية الاقليمية) التي تقترحها الدبلوماسية الروسية, انما تضع العربة امام الحصان, اذ ينبغي ان ينصاع النظام العراقي اولا للقرارات الدولية ذات الصلة بغزوه واحتلاله الكويت في اغسطس 90, واهمها الافراج عن الاسرى والمرتهنين واعادة الممتلكات الكويتية والكف عن التلويح بالقوة لتهديد جيرانه, ويعد هذا ــ وليس قبله ــ يمكن البحث في امر اعادة تأهيله للانضواء مجددا تحت المظلة الدولية. اما ما يطالب به ايفانوف فهو العكس تماما, اذ يطلب دخول النظام العراقي (وهو لا يزال سادرا في عناده) في منظومة امنية مع الدول الخليجية التي لا تزال تعاني من الجراح التي سببها غزوه, وهي الجراح التي يزيد من آلامها ان النظام العراقي لم يحاول ان يبدي اي برهان على انه نادم على هذا الغزو, او يمكن ان يعتذر عنه, ما يجعل الثقة في هذا النظام (الذي لا ضمان يعصم من تصرفاته غير العقلانية) يجعلها امرا من قبيل السذاجة السياسية. ولعل ما يزيد من (لا عملية) الاقتراح الروسي انه طرح بعيدا عن تسوية القضية العراقية القائمة, والتي هي حسب تصريح ايفانوف (مستقلة ومنفصلة). لكننا رغم ذلك, نجد في المحاولة الروسية نقلة مختلفة في طبيعة الدور الروسي في منطقة الخليج, حيث غدت روسيا تبحث عن دور محايد يطرح التوافق في المستقبل. وما ان رحل وزير الخارجية الروسي حتى حطت في مطار الكويت طائرة وزير الدفاع الامريكي ويليام كوهن, الذي جاء يؤكد مجددا الثوابت الامريكية تجاه الخليج ودوله, مشددا على استمرار واشنطن في الدفاع عن هذه الثوابت, وعن اصدقائها في الخليج, حتى يذعن النظام العراقي للقرارات الدولية ذات الصلة. ولم تكد طائرة الوزير الامريكي تقلع حتى حلّ ضيفا على الكويت نائب رئيس مجلس الدولة الصيني الذي زار البلاد لاجراء محادثات ذات طابع دولي مع كبار مسئوليها, وهي زيارة استدعت العلاقات الوطيدة بين بكين والكويت التي كانت اول دولة عربية تتبادل معها التمثيل الدبلوماسي. وضمن الفعاليات السياسية التي حفلت بها الايام العشرة السابقة حل ضيفا على الكويت نائب وزير الخارجية الايراني صادق خرازي الذي استضافته ندوة (نحو فهم جديد للتكامل والتعاون بين دول المنطقة) حيث ألقى محاضرة في الجامعة وكذلك فعل الشيخ ناصر صباح الاحمد مستشار سمو ولي العهد. وقد سعت المحاضرتان الى رصد رؤية استراتيجية للعلاقات الاقتصادية والثقافية بين ضفتي الخليج, وقد حمل خرازي في محاضرته هموم العقدين الماضيين اللذين عانت فيهما منطقة الخليج من حربين كبيرتين مدمرتين, كلفتا المنطقة الكثير والكثير من الارواح والاموال, موضحا ان المنطقة ينبغي ان تتفادى المزيد من الحروب والمعاناة, لمصلحة كل شعوب المنطقة التي تعد من اكثر المناطق حساسية في العالم, وقد دعا خرازي الى استلهام العبر من الماضي من اجل تحويل انقاض الحروب الى وسيلة للبناء والتنمية, معتبرا اننا يجب ونحن نخطط لصياغة الحاضر, ان نضع نصب اعيننا رؤية للمستقبل, لأن المسئولية الملقاة على عاتقنا تجاه الاجيال القادمة جسيمة وضخمة. وينبغي ان نحرص على الاضطلاع بها, من اجل اوطاننا, ومن اجل ابنائنا كذلك ولا يمكن الحديث عن المستقبل من دون ذكر هذا التيار الجارف الذي يجتاح العالم الآن, وهو العولمة. ولقد ذهب خرازي الى ان العولمة تحمل الكثير من الوجوه الايجابية كما الكثير من العناصر السلبية, داعيا الى نسج رؤية حصيفة تعمل على الافادة من ايجابية العولمة وتتفادى شرورها, مؤكدا ان هذا الامر لا يمكن ان يتحقق الا بالمزيد من التعاون والتكتل لاتخاذ الموقف الذي يحقق مصالحنا جميعا. ولقد تكاملت مع محاضرة خرازي محاضرة الشيخ ناصر صباح الاحمد الذي دعا الى التعاون بين شعوب ضفتي الخليج (العرب والايرانيين) على الصعد كافة, بيئيا وثقافيا واقتصاديا, حيث حمل هذا العنصر الاخير من عناصر التعاون, رؤية استراتيجية طويلة الاجل لتحقيق الربط القاري في محاولة لاستعادة (طريق الحرير) التجاري القديم الذي كان يمثل محورا تجاريا مهما في الماضي, بما سيعود على شعوب المنطقة بالرخاء والاستقرار, ويربط بين هذه الشعوب بشبكة من المصالح تحقق الاستقرار وتزيل المخاوف. كانت هذه جملة من اهم الفعاليات السياسية المكثفة التي حفلت بها الكويت في الايام العشرة الماضية, وقد توزعت على صعيدي السياسة المحلية والخارجية, فأثارت انتباه المراقبين, مثلما استقطبت العشرات من الصحافيين العرب والاجانب, جاءوا يبحثون عن تطورات سياسية واقتصادية محلية واقليمية. وان كان لهذا الزخم السياسي في الكويت من دلالة فهي ان المجتمعات الحيوية والمنفتحة والمتفاعلة داخليا وخارجيا. تكون دائما موضعا لاهتمام العالم ومركزا لجذب المراقبين والاعلاميين. ... وهكذا فإن المجتمعات الحية تكون في قلب العالم.

Email