أمريكا لا تتعلم 1 ، بقلم : أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد ربع قرن من الهزيمة الامريكية المخزية في فيتنام يأتي رئيس امريكي الى العاصمة الفيتنامية هانوي ليحاضر الشعب الفيتنامي ــ دون أدنى حياء ــ عن حقوق الانسان. فقد كان التدخل الامريكي، في شأن هذا البلد الآسيوي ابتداء من منتصف الخمسينيات والذي تطور الى تورط عسكري قتالي من منتصف الستينيات الى منتصف السبعينيات هو الذي جر الولايات المتحدة, أكبر دولة في التاريخ الى اكبر هزيمة في التاريخ. بلغت بعض تكلفتها 58 ألف قتيل أمريكي وما يقارب ترليون دولار. كان تدخلا باسم حقوق الانسان.. بدأ وانتهى بأقذر سجل في هذا العصر لخروقات حقوق الانسان على يد دولة عظمى تدعي انها النموذج الاعظم للديمقراطية الليبرالية. وعندما وقف الرئيس بيل كلينتون الاسبوع الماضي مخاطبا الشعب الفيتنامي عبر منبر جامعة هانوي الوطنية (ناصحا) بالمزيد من (احترام حقوق الانسان) فإنه ربما تناسى مسلسل جرائم الحرب والسلم الامريكية في فيتنام لكن للتاريخ سجلات مدونة. وأهم من ذلك ان امريكا لم تستفد من تجربة الخزي في فيتنام.. فهي لم تتغير. الأمس الامريكي هو الحاضر الامريكي: تدخل في شئون الشعوب لفرض حالة استعمارية عليها. ما يتغير فقط هو الشكل والشعار التبريري. بالأمس كان الشعار (احتواء المد الشيوعي).. وشعار اليوم هو (محاربة الارهاب الاسلامي). وكلاهما بالطبع شعار براق خلاب كأنه يوحي برسالة اخلاقية عالمية. لكن الممارسة والاجندة الخفية شيء مختلف تماما. في فيتنام الخمسينيات بدأ التدخل الامريكي على هيئة مستشارين اقتصاديين وعسكريين في الظاهر ووجود استخباراتي باطنيا. كانت الادارة الاستعمارية الفرنسية في فيتنام قد منعت وجودها نهائيا بعد الهزيمة الفاصلة الحاسمة التي تلقتها في معركة (ديان بيان فو) الشهيرة. حينئذ كان تنظيم الثورة المسلحة الفيتنامية قد توقف نجاحه على تحرير الجزء الشمالي من البلاد وأقام فيه دولة وحكومة باسم جمهورية فيتنام الديمقراطية وعاصمتها هانوي. اما الجزء الجنوبي فقد كان مثار جدال بين القوى العظمى (بما في ذلك الاتحاد السوفييتي) انتهى الى اتفاقية دولية في عام 1954 تقضي بقيام حكومة ائتلافية انتقالية يجري بعدها استفتاء يقرر فيه الشعب مصيره اما بالانضمام الى الشمال او انشاء جمهورية جنوبية مستقلة. افساد هذا الاتفاق الدولي كان اول خرق امريكي لحقوق الانسان في فيتنام. الولايات المتحدة كانت تدرك سلفا ان نتيجة الاستفتاء سوف تكون لصالح توحيد الشعب الفيتنامي بعودة الجنوب الى الشمال علما بأن الجمهورية الشمالية كانت ماركسية. ولذا كان الهدف الامريكي المباشر هو منع قيام الاستفتاء الشعبي. لكن واشنطن لم تحسب رد الفعل في الجنوب بدقة. فقد اندلعت ثورة في الشارع. وكان الرد الامريكي هو تدبير انقلاب عسكري على يد عدد من كبار ضباط الجيش الفيتنامي الجنوبي الذين اشترتهم وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية. وفي المقابل تطور رد الفعل الشعبي الى ثورة مسلحة ومنظمة. ومن هنا كان التورط العسكري الامريكي عندما تحول الوجود الامريكي في فيتنام الجنوبية من مجرد فرق مستشارين واستخباراتيين الى قوات مقاتلة صارت اعدادها تتعاظم الى ان بلغت نحو نصف مليون جندي.

Email