ابجديات ،بقلم : عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما يتقرر عقد مؤتمر قمة في أي مكان بالعالم, فإن الفكرة لا تعلن امام العالم اعتباطا, وكذلك فإن السعي لاخراج الفكرة من اطار المقولات والتنظير الورقي إلى فضاء التطبيق والممارسة والتماس لا يتم باليسر والسهولة والمجانية التي قد يعتقدها البعض. ان عقد مؤتمر قمة ذي بعد سياسي او اقتصادي او علمي أو.. الخ يعني ان هناك تحدياً ما يستدعي استنفاراً رسمياً على اعلى مستويات القرار السياسي فيما يعرف بالقمة, وان هذا التحدي من الحساسية والخطورة بحيث لا يحتمل التأجيل او بمعنى آخر يحتاج الى حسم سريع او قرارات عاجلة لمواجهته والحد من تفاقم خطورته. ومن هنا تأتي الاستعدادات على قدر الهدف, ومن هنا أيضا تستنفر كل الاجهزة والجهود والاموال والبشر لانجاح الفكرة وخدمة الهدف بما يستدعي من اصحاب القمة والمشاركين فيها وهم يذهبون ويجيئون, مجتمعون ويفضون اجتماعاتهم, يلتقون على موائد دعوات الغداء والعشاء الفاخرة, أو في قاعات المؤتمر, يلقون كلماتهم الرسمية أو يجرون لقاءات إذاعية وصحفية ومتلفزة, ان يعوا وعلى وجه الدقة والوضوح انهم يكتبون صفحة (ما) في سجل التاريخ فليتأكدوا من الجملة التي يكتبونها قبل أن يضعوا النقطة في آخر السطر. لن يتذكر احد من البشر الذين سيأتون في الأزمنة المقبلة اسماء اعضاء الوفود المشاركة في المؤتمرات ولا ماذا كانوا يرتدون, ولا عناوين الفنادق وقاعات انعقاد الجلسات, لن يتذكر احد اعدادهم ولا الأموال التي انفقت, ولكن التاريخ سيفتح صفحاته بقوة ليقول: هذا بالضبط ما فعله أولئك الناس عندما اجتمعوا ذات يوم ليقرروا او ليتحاوروا ويتناقشوا في امر أمتهم, ستقول الصفحات التي نكتب فيها اليوم طبيعة النوايا, والروح التي سادت, والنتائج التي تحققت. انه وبعد مئات المؤتمرات الضخمة والصغيرة وعلى مدى سنوات طويلة في البلاد المعروفة بالعالم الثالث, فإن جملة مفيدة واحدة لم تكتب في هذه المؤتمرات قبل وضع النقطة في آخر السطر! والسبب ان كل الذي ناقشته هذه المؤتمرات ودارت حوله احاديثها وجلساتها وإنفاقها لا يزال كما هو لم يتغير بل ازداد سواء, الاحتلال الاسرائيلي جاثم, واجتثاث الشعب الفلسطيني على يد (اسرائيل) مستمر على قدم وساق, الفقر مستشر والتنمية البشرية متعثرة, التعليم متأخر والامية متفشية, حقوق الانسان ليست على ما يرام والديمقراطية غائبة تماماً. ماذا فعلت كل المؤتمرات الاقتصادية إذن, اذا كان الفقر لا يزال هو التحدي الرئيسي لحقوق الانسان, واذا كان ما يقرب من 30 الف طفل يموتون يوميا لهذا السبب ــ حسب تقرير التنمية البشرية لبرنامج الامم المتحدة الانمائي لهذا العام ــ اضافة الى 300 الف طفل آخرين يتم تجنيدهم في صراعات أهلية طاحنة, ومليون فتاة وسيدة يقعن ضحايا لتجارة الرقيق وان نصف عدد اطفال افريقيا لا يحظون بالتعليم الأساسي. المؤتمرات شكل من اشكال مواجهة التحديات بطريقة سياسية رسمية, نحتاج ان نحولها الى ثقافة وعي لا ثقافة بهرجة وفنادق واعلام.

Email