أبجديات ، بقلم : عائشة إبراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضيئة كانت تلك الليلة في حياة اطفال الامس, اما للاحياء والسكيك الضيقة فقد كانت موسم بهجة وحركة ملونة بالفرح وبدعوات وزيارات لذوي القربى ابتغاء رضا الخالق. كانت البيوت تستعد لليلة النصف من شعبان, وكانت الدكاكين تعرض (حق الليلة) من مكسرات وحلويات في صواني ضخمة واكياس كبيرة تستورد من ايران, وكان الرجال مثل النساء يتهاطلون في طقس محافظ وحميم على هذه الدكاكين لشراء (حق الليلة) كل حسب قدرته. في عصر اليوم الرابع عشر من شعبان, تتلون الازقة بالصغار حاملي الاكياس, المغردين في كل الاتجاهات (اعطونا حق الليلة) البنات والاولاد يسيرون بهمة ونشاط لجمع (غنيمة) الليلة المباركة, من بيت الى بيت, داعين لأهله بأجمل الدعوات (اعطونا الله يعطيكم, بيت مكة يوديكم) وكانت عيون النساء تلتمع بالحنان والود وهن يغرفن من الأواني ليضعن في اكياس الصغار ما تيسر من (حق الليلة), سائلات الصغير أو الصغيرة عن أهله وأمه, وداعيات للجميع بأن يعيد عليهم هذه الليلة (كل سنة وكل حول), لقد كانت عبارة (مبروك عليكم النص (يعني نصف شعبان) تعني بشكل او بآخر مباركة عجولة واستبشار طيب بقرب شهر رمضان المبارك. وهكذا كان يمضي اليوم حتى يعود الصغار الى بيوتهم وايديهم الصغيرة تنوء بحمل الكيس الذي امتلأ بالحلويات والمكسرات متباهين فيما بينهم, وسعداء بهذا اليوم الاحتفالي البهيج. ويبقى طعم الليلة باقيا ماثلا في المشهد العام لحركة الحياة الاجتماعية حتى يأتي يوم آخر في سنة مقبلة ليعيد الصغار احتفاليتهم كما علمهم اهلهم تماماً. اليوم تغير المشهد العام لحركة الحياة كلها, تغير الزمن والناس وما عادت هناك احياء حميمة بيوتها متواضعة وابوابها مفتوحة للصغار يدخلونها كوهج الضوء, ويخرجون منها بالحلويات والرضا والدعوات, لقد فتحت اكياس (حق الليلة) التي جلبها الصغار للمنزل ليلة امس, فوجدت فيها علب بسكويت, وكوراً ونظارات ملونة وألعاباً مختلفة.. ووجدت فيها على استحياء بعض المكسرات التي كنا نملىء بها اكياسنا عندما كنا صغاراً.. قالت شقيقتي: الناس تطورت, ومحلات (الدرهم والدرهمين) ما تقصر! قلت: الناس تنسى نفسها وتفاصيلها الحميمة بشكل عجيب, وتصر على أن ذلك تطور, فهل هو تطور فعلاً؟ لا علينا من تغير نوعية (حق الليلة) فقد يكون ذلك من مقتضيات التطور والرفاه الاقتصادي, لكن ما حكاية (السطو) على حميمة هذا اليوم الطفولي الطاهر, ما حكايه هذه الاعلانات التي تدعو الصغار للاحتفال بــ (حق الليلة) في المراكز التجارية العملاقة؟ ألم يجدوا وسيلة لترويج بضائعهم سوى على حساب الصغار وطقوسهم, حتى (حق الليلة) دخل عصر العولمة عبر بوابات المراكز التجارية. نقول لأصحاب الاعلانات والدعوات (المبتكرة) اتركوا المجتمع يتذكر عاداته ويعيشها بشكل صحي بعيداً عن هذا التجيير التجاري السيىء.. رحمة بنا.

Email