اعادة قراءة للتاريخ 4-4، بقلم : أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

(النظام العالمي الجديد), ذلك الاصطلاح المستحدث في قاموس العلاقات الدولية ابتداء من اوائل عقد التسعينيات ارتبط اولا باسم الرئيس (الجمهوري) جورج بوش ولاحقا باسم الرئيس (الديمقراطي) بيل كلينتون.. الاول هو الذي قام بتدشين هذه الحقبة كعلامة فاصلة لزوال عصر الثنائية القطبية في العالم وبداية عصر القطب الاوحد المتمثل في الولايات المتحدة.. والثاني هو الذي شهد عهده استغلال هذه الاحادية الدولية لأقصى حد. وفي عهدي الرئيسين كليهما لم تعان دولة او امة من وطأة (النظام العالمي الجديد) وشرور الهيمنة الاحادية الامريكية مثلما عانت الامة العربية. وإذا كان عهد الرئيس بوش شهد فرض الحصار الاقتصادي والتجاري على العراق فإن عهد الرئيس كلينتون شهد تشديد ذلك الحصار بما ادى الى تدمير منظم للعراق ككيان وكشعب, وتجريده من اي مورد من موارد القوة والسيادة.. وبالتالي الى تغييبه كرقم هام في معادلة الصراع العربي الاسرائيلي. وإذا كان عهد بوش شهد وضع اسس ومنطلقات السيناريو الامريكي الاسرائيلي لوضع نهاية لذلك الصراع بالشروط الامريكية والاسرائيلية باسم (عملية سلام الشرق الاوسط) فإن عهد كلينتون هو الذي اشرف على حلقات تطبيق هذا السيناريو على الارض باسم (الوسيط النزيه). في عهد ادارة بوش كانت بداية السيناريو في (مؤتمر مدريد) عام 1991. ورغم ان المفترض ان القضية الفلسطينية هي قلب الصراع العربي الاسرائيلي الا ان ادارة بوش تواطأت مع الحكومة الاسرائيلية في عدم السماح بتمثيل مستقل لمنظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر لأن اسرائيل لا تعترف بالمنظمة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. وحتى عندما دعا المؤتمر الى تبني (مسارات تفاوضية) تعددية فإن الولايات المتحدة اصرت في تحيز فاضح على ان يكون ممثلو الطرف الفلسطيني جزءا من الوفد الاردني. وفي كل الاحوال ما كان للرئيس بوش ان يوافق اصلا على عقد مؤتمر (دولي) للقضية العربية الاسرائيلية الا بعد التأكد بأنه سيكون تجمعا فاقدا لجوهر الصفة الدولية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي كقوة عظمى مساندة للحق العربي. ومع انتهاء عهد بوش عند نهاية عام 1992 وبداية عهد كلينتون في مطلع السنة التالية كانت سيطرة واشنطن على العملية التفاوضية كطرف شريك لاسرائيل وليس كوسيط نزيه قد اكتملت. ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا تتوالى الشواهد تباعا على ان ولاء الرئيس الامريكي للحركة الصهيونية الامريكية والتزامه بأمن الدولة الاسرائيلية هما المعياران الوحيدان اللذان يحكمان التحرك الامريكي تجاه الصراع العربي الاسرائيلي. ورغم ان اتفاق اوسلو لعام 1993 يتكون اصلا من بنود لصالح اسرائيل بصورة مباشرة واخرى صيغت عمدا بعبارات غامضة وفضفاضة قابلة لتفسيرات متناقضة فإن ادارة كلينتون حرصت طوال هذه السنين على تأييد الطرف الاسرائيلي في كل مماطلة وكل نكوص وكل تفسير لأي بند يلائم المصلحة الاسرائيلية ويناقض الحق الفلسطيني. والآن.. ومع انطواء صفحة عهد الرئيس الديمقراطي كلينتون ومقدم رئيس جديد يبقى الارتهان الامريكي الى الحركة الصهيونية والدولة الاسرائيلية كما كان وظل دائما رباطا ايديولوجيا ينتظم كل الادارات الامريكية في الماضي والحاضر والمستقبل. ويخطىء العرب عندما يحاولون المفاضلة بين رئيس امريكي وآخر لأن مثل هذه المحاولة تنم اما عن تفكير رغبوي متبطل او تضليل خداعي مقصود.

Email