عرفات والارهاب ، بقلم :احمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم تكتف السلطة الفلسطينية بادانة حادثة تفجير السيارة المفخخة في منطقة يهودية في القدس يوم الخميس التي تبنتها منظمة (الجهاد الاسلامي) الفلسطينية وأودت بحياة يهوديين. . وانما كلف الرئيس عرفات نفسه اعتذارا هاتفيا لرئيس الحكومة الاسرائيلية من اجل تعزيز الادانة وتبرؤ السلطة الفلسطينية من الجهة صاحبة العملية. اكثر من ذلك وابلغ سوءا ان السلطة اعلنت بلسان احد رموزها الكبار ــ د. نبيل شعث ــ أنها سوف تلاحق منفذي العملية لمعاقبتهم. فماذا يعني هذا الموقف الغريب على خلفية مواجهة دموية بين الشارع الفلسطيني وقوات الجيش الاسرائيلي حصد خلالها الرصاص الاسرائيلي ما يقارب 160 فلسطينيا ثلثهم على الاقل من الأطفال؟ ظاهريا, يبدو وكأن السلطة اختارت مع تصاعد الصراع الدموي الوقوف ضد شعبها في خندق واحد مع الاسرائيليين. فهل نأخذ بهذه الصورة الظاهرية ام نعطي السلطة فائدة الشك فنفترض ان مسلكها على غرابته يقع ضمن لعبة توزيع ادوار متفق عليها سلفا وسرا مع قادة كل من (الجهاد الاسلامي) و(حماس)؟ بكلمات اخرى.. تتظاهر السلطة امام اسرائيل والعالم بأنها تعارض مبدأ نقل العنف الفلسطيني الى داخل العمق الاسرائيلي وبأنها سوف تلاحق من يمارسون مثل هذا العنف بينما هي في الحقيقة متفقة سرا مع قادة (الجهاد) و(حماس) على إطلاق ايديهم والامتناع عن ملاحقتهم. انا شخصيا اميل الى ان هذه الفرضية ضعيفة قياسا الى مسلك الرئيس عرفات في مثل هذه الاحوال حتى قبل اتفاق اوسلو. فقبل اوسلو بنحو خمس سنوات قرب نهاية عقد الثمانينيات وافق عرفات باسم (نبذ الارهاب) على التخلي نهائيا عن العنف والكفاح المسلح كوسيلة نضالية (مع الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود) مقابل ان تقبل الولايات المتحدة بفتح حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية (دون الاعتراف بالمنظمة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني). والى ان دخل عرفات عام 1993 في تلك اللقاءات السرية مع كبار ممثلي اليهود الامريكيين في العاصمة النرويجية اوسلو اولا, وقادة رسميين اسرائيليين لاحقا ظل يصدر بانتظام وحماسة بيان ادانة صريحة لكل حادثة عنف فلسطينية تقع داخل اسرائيل او خارجها. بل وقبل ذلك كان قد أبرم اتفاقا سريا مع السفارة الامريكية في بيروت إبان الحرب الأهلية اللبنانية تولت بموجبه منظمة التحرير حماية امن الدبلوماسيين الامريكيين من انشطة المنظمات اللبنانية (المتطرفة). اما في مرحلة ما بعد اوسلو فان الاجهزة الامنية التابعة للسلطة الفلسطينية تحولت عمليا الى فرع لاجهزة الامن الاسرائيلي في اطار (تنسيق امني) تشارك فيه وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية لضرب البنى التحتية للمنظمات الاسلامية الفلسطينية المعارضة لعملية (السلام) وملاحقة عناصرها من أجل شل حركتها. قياسا على هذه السوابق في الماضي والحاضر يبدو الان ان سلطة عرفات بادانتها لحادثة التفجير الاخيرة في القدس ووعيدها بملاحقة مرتكبيها انها تعني بالضبط ما تقول. ويبدو كذلك ان عرفات رأى بعين الفزع انه قد آن الأوان لتدخل السلطة الفلسطينية للجم انتفاضة تفقد فيها السلطة مع مرور كل يوم جبروتها وسيطرتها مع ارتفاع اسهم المنظمات المعارضة بما فيها المنظمات الاسلامية التي ينظر عرفات الى قادتها لا كرفاق نضال وإنما كمنافسين.

Email