فطيرة يهودية من دم العرب _ بقلم: عادل حمودة

ت + ت - الحجم الطبيعي

كلما رأيت أطفال الحجارة يخرجون كالنزيف من شرايين الدم في فلسطين المحتلة تذكرت جدى لأمى وهو يجمع أطفال الحى في حديقة بيته في الاسكندرية ليوزع عليهم الحلوى.. ويروى لهم حكاية اليهودى الذى ذبح طفلا.. وعجن بدمه فطيرة عيد الفصح.. ثم راح يلتهمها بنشوة وشراسة. كنت أتصور أن مايرويه جدى هو حكاية خرافية من حكايات العجائز ليشد الانتباه إليه وليقضى ماتبقى من عمره بعيدا عن الوحدة والملل.. حكاية خرافية مثل حكايات الغول والساحرة الشريرة التي تحول الأطفال إلى ضفادع. ولكن.. عندما كبرت وعرفت وفهمت وقرأت ووجدت أن عمرى يمشى جنبا الى جنب مع القضية الفلسطينية اكتشف أن حكاية فطيرة الدم اليهودية هي حكاية حقيقية.. حدثت فعلا.. وكل محاضرها ووقائعها محفوظة ومسجلة في المحكمة الشرعية في حلب وحماة ودمشق في عام 1840.. وقد حصل على نسخة منها المستشرق الفرنسى (شارل لوران).. ونشرها في كتاب باللغة الفرنسية بعنوان (فى حادث قتل الأب توما وخادمه ابراهيم عمارة).. وقد ترجمه إلى اللغة العربية الدكتور يوسف نصر الله ونشره في القاهرة في 16 سبتمبر عام 1898 فى يوم الجمعة 7 فبراير عام 1840 ذهب قنصل فرنسا في دمشق إلى ديوان الوالى التركى وقرر أنه قبل يومين خرج الأب توما بعد العصر كعادته وتوجه نحو حارة اليهود ليلصق اعلانا على البيوت والمحلات والمعبد والكنائس ببيع بيتا في المزاد العلنى لواحد من رعاياه يدعى ترانوفا.. وعندما وجد خادمه ابراهيم عمارة أنه لم يعد في موعده الى الدير (دير تير سانت) راح بعد الغروب يبحث عنه في حارة اليهود.. لكنه لم يعد هو الآخر. كان الأب توما من رعايا الحكومة الفرنسية وكان يمارس الطب ويعرفه الناس في دمشق.. فقد قام بتطعيمهم ضد الجدرى.. وكان قد طاب له العيش في هذه المدينة التي يطلق عليها أهلها (بلاد الشام) فبقى فيها أكثر من ثلاثين سنة.. وقد وجدوا طعامه في الدير لم يمس.. كما أن ممتلكاته الخاصة كانت على حالها.. وهو ما جعل الوالى شريف باشا يعتقد أن الاختفاء ليس بدافع السرقة.. وبناء على تعليماته بدأ التفتيش في حارة اليهود عن القس وتابعه.. لكن التفتيش لم يسفر عن شئ. فى تلك الأثناء حضر يونانيان هما ميخائيل كساب ونماح كلام وقرارا أمام الشرطة: أنهما وهما يمران في حارة اليهود يوم الاربعاء الذى غاب فيه الأب توما صادفا في أول الحارة بالقرب من شارع (طالح القبة) قبل غروب الشمس بربع ساعة خادم الأب توما وهو يدخل الحارة مسرعا قلقا متوترا.. فسألاه إلى أين؟.. فأجابهما أنه يفتش عن سيده الذى جاء الى هذا المكان ولم يرجع. تأكدت الشبهات أن الأب توما وخادمه فقدا في حارة اليهود.. فبدأت الشرطة تتبع الاعلانات التي جاء الأب توما للصقها.. وجدوا اعلانا على دكان حلاق اسرائيلى اسمه سليمان.. كان يسكن بالقرب من المعبد اليهودى.. فقبضوا عليه. لكنهم لم يصلوا معه الى شئ. على أنهم بعد أن ضربوه بالكرباج اعترف بأن الأب توما كان يقف في الحارة مع مجموعة من حاخامات اليهود هم موسى بخور يودا.. وموسى أبى العافية.. ويوسف ليتيوده.. وداود هرارى.. وأخويه اسحاق وهارون.. ثم اعترف بأنهم جميعا دخلوا بيت داود هرارى ومعهم الأب توما. وواصل سليمان الحلاق اعترافه قائلا: ان الحاخامات دعوه بعد الغروب بنصف ساعة الى بيت داود هرارى وطلبوا منه أن يذبح الأب توما الذى وجده مربوط الذراعين.. فقال لهم: إنه لا يقدر على ذلك.. فوعدوه بدراهم ذهبية وفضية.. ولكنه لم يستجب.. فقالوا له: إن من يفعل ذلك يرضى الرب ويدخل الجنة ليلعب مع أنثى الحوت التي وعد الرب اليهود الصالحين بطعامها يوم القيامة.. وقام أحدهم بإحضار سكين حاد.. وألقوا الأب توما على الأرض ووضعوا رقبته على طست كبير.. وذبحوه.. وأجهزوا عليه.. وحرصوا على أن لا تسقط نقطة دم واحدة خارج الطست.. ثم جروه من الحجرة التي ذبحوه فيها الى غرفة أخرى ونزعوا ثيابه وأحرقوها وقطعوه أربا.. أربا.. ووضعوه في كيس مرة بعد مرة.. وحملوه الى المصرف القريب من حارة اليهود. * ماذا فعلتم بعظامه؟ ــ كسرناها بيد الهون. * ورأسه؟ ــ كسرناها بيد الهون أيضا. * هل دفعوا لك شيئا من النقود؟ ــ وعدونى بأن يدفعوا لى إن كتمت السر.. فإذا ما اكتشفته فإنهم سيتهموننى بالقتل.. أما الخادم الذى شهد ماجرى فقد وعدوه بالزواج. * في أى ساعة حدث القتل؟ ــ أظن أن القتل حدث في وقت العشاء أو بعده بقليل.. وقد استمر القس على الطست مدة نصف ساعة أو ثلثى ساعة حتى صفى دمه كاملا. * وماذا فعلتم بأحشائه؟ ــ قطعناها ووضعناها داخل الكيس ورميناها في المصرف. * هل كان الدم ينقط من الكيس؟ ــ كلا.. لقد كانوا حريصين على كل نقطة دم.. حرصهم على الذهب والتلمود. * لماذا؟ ــ يستعملونه في الفطير. وقبض على اسحاق هرارى الذى لم يستطع الإنكار بعد أن عثروا على الجثة الممزقة أربا في المصرف.. وبعد أن اعترف الحلاق في مواجهته.. وسئل هرارى. * كيف ذبحتم الأب توما؟ ــ أحضرناه عند داود باتفاقنا معه وقتلناه لأخذ دمه.. وبعد أن وضعنا الدم في قنينة أرسلناها الى الخام موسى أبوالعافية.. وقد فعلنا ذلك اعتقادا بأن الدم ضرورة لاتمام فروض دينية. * من سلم الزجاجة للحاخام موسى أبوالعافية؟ ــ الحاخام موسى سلونكى. * لماذا يستعمل الدم في ديانتكم؟ ــ يستعمل لعجن خبز الفطير. * هل يوزع الدم على جميع اليهود؟ ــ كلا إن ذلك غير ضرورى وإنما يحفظ عند الحاخام الأكبر. واستدعت جهات التحقيق الحاخام موسى أبوالعافية وسئل: * بماذا ينفع الدم؟.. هل يوضع في الفطير؟.. وهل يعطى لكل الشعب اليهودى؟ ــ ينفع الدم لوضعه في الفطير الذى لا يعطى عادة الا للأتقياء من اليهود.. وهؤلاء الاتقياء يرسلون الدقيق الى الحاخام الأكبر يعقوب العنتابى وهو يعجنه بنفسه ويضع فيه الدم سرا بدون أن يعلم أحد بالأمر.. ثم يرسل الفطير لكل من أرسل الدقيق. * هل سألت الحاخام يعقوب العنتابى عما اذا كان يرسل من هذا الدم الى الحاخامات في الدول الاخرى أم يبقيه لأهل الشام فقط؟ ــ قال لى الحاخام يعقوب العنتابى إنه ملزم أن يرسل من هذا الدم إلى يهود بغداد. * هل كان القصد قتل راهب بعينه أو قتل أى مسيحى؟ ــ كانوا يريدون دم أى مسيحى مهما كان.. لكنهم اختاروا الأب توما لأنه وقع بين أيديهم بالصدفة. وبعد أن انتهى الحاخام موسى أبوالعافية من الادلاء بأقواله طلب أن يعتنق الديانة الإسلامية وبعد قبوله بها أطلق على نفسه اسم محمد أفندى أبوالعافية.. وساعتها رفع تقرير بخط يده الى الوالى شريف باشا شرح فيه كل ماجرى.. وأضاف: ان استعمال الدم في فطائر اليهود أمر مذكور في أحد كتبهم المسمى (سادات أدار هوت).. وهو كتاب مقدس يتوارثه الحاخامات منذ أزمان سحيقة.. ولم يأت من ينكره.. أو يرفض العمل به. والمثير للدهشة ان الحاخامات الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة لم يشعروا بالندم.. ولم يشعروا بأنهم ارتكبوا اثما.. أما تفسير ذلك فهو في التلمود.. والتلمود أو كتاب تعاليم ديانة وآداب اليهود عندهم هو أكثر قداسة من التوراة.. وفيه أشهر عبارة رددها اليهود.. عبارة (انهم شعب الله المختار).. وفى التلمود أن أرواح اليهود تتميز عن باقى الأرواح بأنها جزء من الله (كما أن الابن جزء من أبيه).. و(من ثم كانت أرواح اليهود عزيزة عند الله بالنسبة لباقى الأرواح لأن أرواح غير اليهود هي أرواح شيطانية وشبيهة بأرواح الحيوانات).. انهم يؤمنون بأن غير اليهود مثل الكلاب والحمير والثيران.. بيوتهم زرائب.. وأرواحهم نجسة.. وحياتهم بلا قيمة.. ومن ثم يجوز قتلهم وذبحهم وغشهم وسرقتهم وضربهم وظلمتهم واغتصاب نسائهم والاستهزاء بهم. وفى التلمود.. إن أموال غير اليهود مباحة كالرمال ومياه البحر.. وفى التلمود إن من غير الجائز رد الأشياء المفقودة الى الكفرة والوثنيين وكل من يشتغل يوم السبت.. وفيه: إن الله أمر اليهود بأخذ أموال الربا من (الذمى).. أى غير اليهودى.. ويسمونه أيضا (أمى).. أو (وثنى).. وفيه أن (من العدل أن يقتل اليهودى كل كافر ذمى لأن من يسفك دم الكافر الذمى يقدم قربانا الى الله). إن ذلك يبرر قتل الأب توما وتابعه ابراهيم عمارة.. ويفسر مشهدا نراه على شاشات التليفزيون.. مشهد جنود الاحتلال الاسرائيلى وهم يقتلون الأطفال بلا رحمة وفى الوقت نفسه يمضغون اللبان وكأنهم في سهرة أو نزهة أو رحلة.. فهم في أعماقهم لا يقتلون بشرا وانما حيوانات ضالة حسب شريعتهم التي رسمها لهم التلمود. وفى تحقيقات قضية الأب توما سئل محمد أفندى أبوالعافية: * ماذا يوجب التلمود بمايتعلق بغير اليهود؟ ــ يقولون إن جميع الخارجين عن اليهود هم حيوانات ووحوش.. لأن ابراهيم عندما أخذ ولده اسحاق ليقدمه ذبيحة وكان يصحبه خدمه قال لهم: امكثوا هنا أنتم والحمارة بينما أنا وولدى نذهب الى الامام.. فمن هذه العبارة استنتج التلمود بأن كل من هو غير يهودى يصبح من فصيلة الحمير.. أو من فصيلة الحيوانات غير العاقلة. وحتى ذلك الوقت كان حاخامات اليهود يتركون مساحات بيضاء في كتبهم حتى يتمكنوا من طبعها في أوروبا.. وهذه المساحات البيضاء تكتب بعد ذلك بخط اليد.. أما مايكتب بخط اليد فهى العبارة التي تسب السيد المسيح وأمه السيدة العذراء.. والعبارات التي تبيح عجن فطائر عيد الفصح بدماء غير اليهود.. والمثير للدهشة ان هذه العبارة عادت من جديد الى الكتب الدينية اليهودية عندما أصبح من السهل طباعتها في اسرائيل.. فالصراع الآن هو صراع دينى واضح وعلنى وصريح.. وهو أخطر ماوصل اليه الصراع العربى الاسرائيلى.. أن ترفع البنادق في يد والكتب المقدسة في يد أخرى.. ان ذلك هو بداية الحريق في المنطقة بأسرها.. والدليل على ذلك أن الشوارع العربية لم تتحرك ولم تغضب ولم تحتج كثيرا عندما رفضت اسرائيل إعادة الاراضى المحتلة بكاملها للفلسطينيين.. أو اعادة اللاجئين منهم الى ديارهم.. أو اعلان دولتهم.. لكن ما أن دخل الجنرال أرييل شارون المسجد الأقصى ودنسه حتى اشتعلت الدنيا وقامت القيامة. وكما عادت العبارات التي تسب السيد المسيح وأمه عادت الرغبة الوحشية في عجن فطائر عيد الفصح بدماء غير اليهود.. لقد سجلت محاضر الشرطة في كثير من المناطق الفلسطينية المحتلة اختفاء أطفال عرب وجدت فيما بعد جثثهم ممزقة اربا.. اربا.. وخالية من نقطة دم واحدة.. وأغلب الظن أن الدماء راحت لتختلط بدقيق المتطرفين اليهود ليصبح العجين في النهاية فطائر يلتهمونها في عيد الفصح. ولو طبقنا ماجاء في التلمود فإن كل يهودى ورع يعرف الله ويحفظ تعاليمه لا يحق له أن يعيش في المدن المقدسة عند اليهود (وهى القدس والخليل وصفد وطبرية) الا اذا كان قد تناول فطيرة من فطائر الدم.. والا كانوا مثل الوثنيين المسلمين والمسيحيين عابدى الأصنام الذين لا يجوز على اليهود أن يأكلوا من طعامهم أو يذكروا حسناتهم أو يتزوجوا بناتهم أو يلمسوا قبورهم.. وان كان يجوز عليهم أن يشربوا من دمائهم. على أن المثير في قضية الأب توما أن الحاخامات القتلة عندما تخلصوا منه لم يتردد أحدهم في أن يسرق ساعته ويخفيها عن الآخرين.. وعندما سئل عما فعل.. لم ينكر.. وقال: لقد سرقنا روحه وهى حلال لنا فلماذا لا نسرق ساعته؟.. وبلغة العصر الذى نعيش فيه.. إذا كان الاسرائيليون قد سرقوا الأرض والنهر والتاريخ والحياة فلماذا نحاسبهم على اطلاق الرصاص على الزهور البرية.. أطفال الحجارة؟.. وأي لجنة تحقيق يمكن أن تطاردهم وهم يتصورون أنهم يقتلون ويسرقون وينهبون بتشجيع من الرب وبتعليمات واضحة منه؟

Email