مخاطر العولمة على المجتمعات العربية _ بقلم: أ.د مصطفى رجب

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد ظهرت العولمة منذ قرن من الزمان وفي العقود الثلاثة الاخيرة ظهرت تحولات جديدة, أولها الدخول في عصر المعلومات وثورة الاتصالات, وبداية نظام عالمي جديد لا يعتمد على حرب الايديولوجيات والحروب العسكرية وفي عام 1870 وما بعده حتى العشرينيات من القرن العشرين ظهرت مفاهيم كونية مثل: (خط التطور الصحيح) والمجتمع القومي (المقبول) . وتمت المنافسات الكونية مثل الألعاب الاولمبية وجوائز نوبل. وتم تطبيق فكرة الزمن العالمي والتبني شبه الكوني للتقويم الجويجوري. والسؤال هو: كيف ستستجيب المجتمعات المختلفة للموجة المتصاعدة الكونية. واذا حاولنا رصد العولمة وتأثيراتها على العالم العربي يمكن ان نرصدها من الثمانينيات, وليس كما هو شائع من التسعينيات. و(ان النظام العالمي الجديد) مصطلح استخدمه الرئيس الامريكي جورج بوش في خطاب وجهه للأمة الامريكية بمناسبة ارسال القوات الامريكية الى الخليج (بعد اسبوع واحد من نشوب الازمة في اغسطس 1990) وفي معرض حديثه عن هذا القرار, تحدث عن فكرة (عصر جديد) و(حقبة للحرية) وزمن للسلام لكل الشعوب. وبعد ذلك بأقل من شهر اشار الى اقامة (نظام عالمي جديد) يكون متحررا من الارهاب, واكثر امنا في طلب السلام, عصر تستطيع فيه كل امم العالم, ان تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم. تعريف العولمة: ما زال مصطلح العولمة مثار خلافات بين الكثيرين وفشلت المحاولات حتى الآن في ضبط المصطلح على شكله الصحيح. ولقد حاول بعض الباحثين تعريف العولمة على انها (وصول نمط الانتاج الرأسمالي عند منتصف هذا القرن تقريبا الى نقطة الانتقال من عالمية دائرة الانتاج واعادة الانتاج ذاتها, اي ان ظاهرة العولمة التي نشهدها, هي بداية عولمة الانتاة والرأسمال الانتاجي وقوى الانتاج الرأسمالية, وبالتالي علاقات الانتاج الرأسمالية ايضا ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الاصلي ودوله, والعولمة بهذا المعنى هي رأسملة العالم على مستوى العمق بعد ان كانت رأسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره. ويعرف محمود أمين العولمة على انها: (هي تعبير عن ظاهرة تاريخية موضوعية تمثلت في البداية ثقافة بالمعنى الانثروبولوجي تخلقت وتشكلت من رحم النساق الاقطاعية في اوروبا في القرن السادس عشر تتسم بنمط انتاجي هو نمط الانتاج الرأسمالي الذي اخذ يمتد ويتوسع ويسود حتى اصبح لا مجرد حضارة غربية كما يقال بل حضارة عصرنا الراهن وان اختلف مستواها من مجتمع لآخر. انها اليوم حضارة رأسمالية عالمية تعد امتدادا تاريخيا متطورا متجاوزا لمختلف الثقافات والحضارات الانسانية السابقة, والتي لا تزال معالمها وأثارها باقية حية داخل نمطها الانتاجي الرأسمالي الجديد. ولهذا يتنوع هذا النمط الانتاجي الرأسمالي بدوره بتفرع الثقافات التي يحتويها ويسيطر عليها دون ان يلغيها تماما رغم سعيه الى ذلك. لقد عبر هذا التعريف عن العولمة انها ظهرت من القدم منذ ظهور الاقطاعية والاقطاعيين في اوروبا وانها اتخذت نمط الانتاج الرأسمالي كأساس لها فهو ينظر هنا الى العولمة على انها شر ونوع متسع من الابتزاز وانتهاز الفرص. اي ان كل من لديه رأسمال يزداد برأسماله ومن ليس لديه يزداد فقرا وهو نظام الرأسمالية. ولقد قام المهتمون بالعولمة في الوقت الحالي بتخصيص تعريفات للعولمة فمنهم من تناول تعريفها من الجانب السياسي والجانب الحضاري (التاريخي) والجانب الاقتصادي. وفي بحثنا هذا سوف نركز على تعويفات العولمة من الجانب الاقتصادي. هذا التعريف يركز على الدولة وظيفيا حيث يعتبرها سلسلة مترابطة من الظواهر الاقتصادية وتتضمن هذه الظواهر: (تحرير الاسواق, وخصخصة الاصول, وانسحاب من اداء بعض وظائفها, (وخصوصا في مجال الرعاية الاجتماعية), ونشر التكنولوجيا, والتوزيع العابر للقارات للانتاج المصنع من خلال الاستثمار الاجنبي المباشر والمتكامل بين الاسواق الرأسمالية) . وهذا التعريف تعريف اقتصادي للعولمة. ولكن في الوقت الذي يركز فيه على التمويل والانتاج والتكنولوجيا والتنظيم والسلطة كعوامل للتغير, وهو بهذا يشير الى ان عديدا من هذه الانشطة ليست جديدة تماما. وهنا تشير العولمة بمفهومها الضيق الى الانتشار الواسع المدى في كل انحاء العالم للمبيعات والسلع, والمنتجات, وعمليات التصنيع. وهناك تعريف آخر للعولمة: وهي تعني ازالة الحدود الاقتصادية والعلمية والمعرفية بين الدول, ليكون العالم اشبه بسوق موحدة كبيرة تضم عدة اسواق ذات خصائص ومواصفات تعكس خصوصية اقاليمها. وتعتبر العولمة ظاهرة بشرية ومعرفية وموضوعية تعيشها دول العالم, ولذا يمكن النظر الى العولمة في مضمونها الموضوعي باعتبارها حالة تاريخية ناتجة عن تطور عالم البشرية ككل واسهمت فيه جميع حضاراتها وشعوبها. وهذا التعريف للعولمة. لا يوضح مدى تأثير ازالة الحدود بجوانبها المختلفة على الدول, هل ازالة الحدود هذه نافعة ام ضارة لشعوب الدول, ام ستكون نافعة لشعوب معينة دون الاخرى, ام لأفراد داخل الشعب الواحد (داخل الدولة) دون بقية افراد الدولة, كل هذا يجب ان يكون واضحا من خلال التعريف, ويجب ايضا ان يوضح هل ستكون ازالة الحدود هذه بدون قيود ام لها قيود, ومن سيتحكم في وضع هذه القيود اذا كان لها قيود. (شكل جديد من اشكال النشاط, تم فيه الانتقال بشكل حاسم من الرأسمالية الصناعية الى المفهوم المباعد الصناعي للعلاقات الصناعية) . وهذا التعريف شمل الانتقال من توظيف رؤوس الاموال في الصناعة والانتاج الى انه اصبح حاليا الاتجاه الى التفكير في كيفية تسويق هذه الصناعات من خلال الاسواق العالمية وهذا التعريف تعريف اقتصادي صناعي بحت. ويعرف الدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم المصري العولمة على انها (نظام عالمي جديد يتشكل في ظل متغيرات عصرية كثيرة مثل الثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات وتلاشي المسافات, في ظل التكنولوجيا وثورة المعلومات بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية تأخذ شكلا جديدا, فالحواجز تلاشت وسقطت الاسوار مثل سور برلين واصبحت المعلومات تصل الى اي مكان على وجه الارض. موقف المجتمعات المختلفة عن العولمة: وهي مسألة في منتهى الاهمية, فهناك معركة كبرى ايديولوجية وسياسية واقتصادية وثقافية تدور حول العولمة. هناك اتجاهات رافضة بالكامل, وهي اتجاهات تقف ضد مسار التاريخ, ولن يتاح لها النجاح. وهذه الاتجاهات ترى ان العناصر القاتمة للصورة المستقبلية مع بداية قرن جديد وبداية ألفية جديدة من عمر البشرية تهدد بني البشر بكل ما بها من مخاطر, ومخاوف قد تؤدي الى الانحلال والضعف. وهناك اتجاهات تقبل العولمة بغير اي تحفظات باعتبارها لغة العصر المقبل, وهي اتجاهات تتجاهل السلبيات الخطيرة لبعض جوانب العولمة. وهذه الاتجاهات اظن انها لم توقن بعد ان للعولمة سلبيات كثيرة, وانه يجب الا يقبل الانسان اي تغيير دون ان يعرف عواقبه سواء كانت نافعة ام ضارة, وما هي نسبة النفع وما هي نسبة الضرر حتى يرى ما اذا كان هذا التغيير يناسبه أم لا. وهناك اتجاهات نقدية تحاول فهم القوانين الحاكمة للعولمة, وتدرك سلفا ان العولمة عملية تاريخية فعلا, ولكن ليس معنى ذلك التسليم بحتمية القيم التي تقوم عليها في الوقت الراهن, والتي تميل في الواقع الى اعادة انتاج نظام الهيمنة القديم, وتقديمه في صورة جديدة. وهذه الاتجاهات برزت في اوروبا وفي فرنسا على وجه الخصوص من خلال الموقف الرافض للحزب الاشتراكي الفرنسي, والذي تبلور بشكل خاص في تقرير الحزب الصادر في 13 ابريل 1996 بعنوان (العولمة في اوروبا وفرنسا) وهو يتضمن اعنف نقد للعولمة الامريكية. وهذا الاتجاه يعتبر من افضل الاتجاهات على وجه العموم ويجب على الجميع ان ينظر الى العولمة من الناحية التحليلية وان يبرز ما بها من سلبيات ويحاول تلاشيها والابتعاد عن مخاطرها, وان يبرز الجوانب الحسنة (الايجابيات) ويأخذ بها ويستفيد منها. بالاضافة الى ذلك بدأت تتصاعد داخل الولايات المتحدة الامريكية نفسها حركات مضادة للعولمة لم تقنع بالنقد التفصيلي لكل جوانب العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية ولكنها ابعد من ذلك تحاول ان تقدم البديل. ولعل ابلغ ما يعبر عن هذه الحركات النشطة حاليا الكتاب الذي حرره جيري مانرو ادورد سميث عام 1996 وعنوانه (القضية ضد الاقتصاد الكوني. ونحو التحول الى المحلية) وهو يحتوي على اكثر من اربعين دراسة متعمقة. وهذا النمط من الدراسات دائما يحاول ان يقدم البديل للموقف المرفوض داخل الظاهرة, من ناحية مصلحته الشخصية, او مصلحة بلاده, وهو بذلك يدرس ظاهرة العولمة ويستخرج من تحليله لها العناصر التي لا تناسب بلاده, ويحاول ان يجد البديل والحلول لها, حتى يكون دائما هو الفائز. اما في الوطن العربي فنحن ما زلنا في غمار المناقشات الايديولوجية الرافضة للعولمة بدون دراسة كافية لقوانينها, او التيارات التي تقبلها بغير شروط او تحفظات. ولذلك يجب ان يكون هناك دراسات فعلية متعمقة توضح جوانب الضعف, وجوانب القوة حتى نستطيع ان نستفيد من مواقف الضعف, ونحاول بقدر الامكان الاصلاح من جوانب الضعف او على الاقل تلافيها, وهذا لا يتأتى الا من خلال الاعداد الجيد للافراد الناقدين. ولقد بدأت بالفعل في الفترة الاخيرة تباشير الدراسات الجادة الرصينة للعولمة وتأثيراتها في الوطن العربي ويمكن في ضوء هذا الفهم صياغة استراتيجية عربية قومية, لا للمواجهة الرافضة رفضا مطلقا, ولكن للتفاعل الحي الخلاق. مخاطر العولمة: بالرغم من ان العولمة اصبحت الآن واقعا حتميا علينا, الا اننا يجب ان نشير الى المخاطر التي تحفها من جميع جوانبها, وذلك حتى يستطيع من يتعامل معها تلافي هذه المخاطر او على الاقل يحاول التقليل من حدتها ومن هذه المخاطر: * ان ظاهرة البطالة بدأت تتفشى على الصعيد العالمي نتيجة دخول الكمبيوترات المتقدمة لتحل محل العقول البشرية واحلال الانسان الآلي محل القوى العاملة وهذه المشكلة تعتبر مشكلة خطيرة تهدد الافراد العاملين واسرهم والحل هو ان يتدرب هؤلاء الافراد على استخدام وتشغيل الكمبيوترات هذه, وان يتوسع اصحاب العمل في مصانعهم, واعمالهم حتى يسع كل العمال العاملين فيه. وكذلك ستصبح القوى العسكرية ـ التي كانت في خدمة اهداف الدولة واستراتيجيتها العالمية ـ قوة في خدمة فرض اهداف تتعلق بالاستراتيجية الكوكبية بل الكواكبية, والخوف من هذا التغيير يتركز في انه بدلا من ان تصبح القوة في خدمة الشرعية الدولية تصبح هي التي تشكل هذه الشرعية وتصيغ قوانينها ومبادئها. وهذا سيؤدي الى ان تفرض القوى العظمى سيطرتها على العالم بفعل قوتها العسكرية, وانها سوف تخضع العالم الى أوامرها, وسوف تتحكم في كل دولة, وهو ما يسمى بالاستعمار المقبول لدى الدول الضعيفة والنامية. وبرغم ما تنطوي عليه العولمة من عناصر ايجابية مقبولة لا يمكن انكارها فإنها تنطوي ايضا على استغلال وقهر للانسان من حيث هو انسان من جانب الشركات العالمية الكبرى التي لا هدف لها الا الربح على حساب كل القيم والاخلاق والمعتقدات. وهذا يحذرنا منه ديننا القويم, فالدين الاسلامي يأمرنا بألا نخالف ضميرنا, ولا اوامر الله, وألا نتعدى نواهيه, لأن ذلك يكون فيه هلاك ودمار للأمم, لذلك مهما كلفنا الامر من خسائر في الدنيا, فعلينا الا نخسر الآخرة, وعلينا ألا نخالف اوامر الله ولكن علينا ان نأخذ بما امرنا الله به في الحدود التي سمح لنا بها بأن ندافع عن انفسنا وان نحاول الا نجعل اعداء الله ينتصرون علينا. * ومن مخاطر العولمة ايضا انها تركز على حرية الفرد الى ان تصل للمدى الذي يتحرر فيه هذا الفرد من كل قيود الاخلاق والدين والاعراف المرعية والوصول به الى مرحلة العدمية, وفي النهاية يصبح اسيرا لكل ما يعرض عليه وتلاحقه به الشركات العالمية الكبرى التي تستغله أسوأ استغلال بما تنتجه وتروج له من سلع استهلاكية او ترفيهية لا تدع للفرد مجالا للتفكير في شيء آخر وتصيبه بالخوف الداخلي. ومن امثلة السلع الاستهلاكية التي تم ترويجها داخل المجتمعات المختلفة نجد ان شباب اليوم يتكالبون على محلات (ماكدونالدز) ومشروبات المياه الغازية (كوكاكولا) , ونجد الافراد كذلك يستخدمون انواعا كثيرة من السيارات وهذه ايضا من وسائل الترفيه, وغير ذلك من الاقبال على الاغذية المحفوظة الواردة من الدول الخارجية, وغيرها من المنتجات, ومقابل ذلك نجد ان الصناعات الداخلية تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة للمنتجات المستوردة, مما يؤثر بالتأكيد على صناعاتنا المحلية, وقد يؤدي بنا في النهاية الى عدم القدرة الاستغناء عن المنتجات المستوردة. * من مخاطر العولمة ايضا ان اصبح الاقتصاد الحر هو المسيطر على النشاط الاقتصادي اما المصلحة العامة فأصبحت مسألة هامشية في اقتصاد السوق. وهذه المسألة الهامشية تعتبر مسألة ضرورية, لأن المجتمعات العربية وخاصة مصر تربي افرادها على الألفة والمحبة وعلى مبدأ التعاون ألا وهو معه من ليس معه, ولكن في ظل هذه العولمة سوف تتحطم كل هذه العلاقات والاواصر, ويصبح الفرد ذاتيا انانيا لا يفكر الا في كم المكاسب التي سوف تعود عليه هو فقط ولا يعنيه باقي افراد مجتمعه, وهذه تعتبر كارثة بالنسبة لباقي افراد الوطن. ومن اهم مخاطر العولمة هو التساؤل الذي يحتاج الى اجابة قاطعة وهو: من يقود العولمة؟ انه على الرغم من أن هذا السؤال يشير ـ بصورة غير مباشرة ـ الى طرف خفي هو الولايات المتحدة الامريكية باعتبارها تحتل ـ في هذه المرحلة التاريخية من مراحل تطور النظام العالمي ـ مركز الصدارة. كما انها تمثل الدولة العظمى الوحيدة التي تنفرد بالتفوق العسكري والذي يسمح لها بالتدخل في مختلف ارجاء المعمورة, إلا انها ليست الدولة التي تقود العولمة. والاصح ان العولمة تدار من خلال السياسات الاقتصادية والتفاعلات المالية والضغوط السياسية لمجموعة متنوعة من الفاعلين. وهؤلاء الفاعلون يضمون دولا وشركات ومؤسسات دولية. اما الدول فهي الدول المتقدمة التي وصل فيها التطور التكنولوجي الى ذراه, وفي مقدمتها بطبيعة الحال الولايات المتحدة الامريكية واليابان وألمانيا والاتحاد الاوروبي باعتباره كتلة واحدة, اما الشركات فهي الشركات دولية النشاط التي برزت قوتها الاقتصادية الكاسحة حوالي الستينيات ووصلت الآن الى السيطرة على نسبة عالية من الدخل القومي العالمي. وهناك اخيرا المؤسسات الدولية الكبرى ابرزها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي, واخيرا احدث هذه المؤسسات وهي منظمة التجارة الدولية, ويمكن القول ان هذه المنظمة الاخيرة التي تأسست حديثا وكانت نتاج تطور محادثات الجات التي استمرت عقودا ستلعب الدور الحاسم في مجال العولمة الاقتصادية في المستقبل القريب, بحكم سياساتها المعلنة وهي حرية التجارة, وفي ضوء الآليات القانونية الملزمة للدول التي وقعت على معاهدتها, والتي تتضمن جزاءات اقتصادية رادعة لمن يخالف قواعدها. وهكذا يمكن القول ان دول الجنوب تجابه في الوقت الراهن ـ حيث فتح الستار على عملية المنافسة العالمية الكونية ـ حلفا ثلاثيا يتشكل من الدول المتقدمة, والشركات ولهذا يجب ان تعمل الدول العربية على تكوين تكتل عربي اقتصادي حتى يكون لها صوت وصدى في هذه المجتمعات المتقدمة, وحتى تستطيع ان ترقى بأبناء هذا الوطن, وتوفر لهم حياة آمنة ـ في ظل هذه الصراعات ـ في كل الجوانب, وعلى كل المستويات, فتوفر للمقتدر اكثر, ولكن ليس على حساب الاقل, بل توفر لمن يمتلكون الاقل اكثر مما يمتلكون, حتى يتولد بين افراد الوطن الواحد والبلد الواحد الضغائن والاحقاد, وتتفشى الكراهية وهذا ماتريده الدول العظمى حتى يقضي أبناء الوطن الواحد على بعضهم البعض. * ومن مخاطر العولمة ايضا ظهور عملية الاغراق: فالإغراق يرتبط بالسعر, وذلك بأن تطرح في الاسواق سلع مستوردة بأسعار تقل كثيرا عن سعر المثيل في السوق المحلي, او على سعر المثيل في سوق الدولة المنتجة لهذه السلعة وتصدرها, او انخفاض سعر البيع عن سعر تكلفة الانتاج, ويتم تداولها لفترة زمنية, وعلى استرداد نفقاته وتحقيق الربح, تلك هي الحالات الثلاث التي تعتبر فيها السلع المستوردة بمثابة سلع او واردات اغراق. وهذه المشكلة ظهرت مع دخول العولمة والغاء التعرفة الجمركية, او الحد منها على بعض السلع, حيث في القدم كان لا يمكن حدوث ذلك لان الدول كانت تتحكم في سعر السلعة بزيادة سعر الجمارك, مما يؤدي الى زيادة سعر المنتج المستورد عن المنتج المحلي, او على الاقل يساويه في الثمن, ولكن مع فتح الاسواق امام التجارة العالمية, فإننا سنشهد حالات اغراق كثيرة كذلك تجاوزات لا نضمن الى اي مدى ستصل عواقبها. * ومن المخاطر ايضا ان العولمة الاقتصادية ستفرض من خلال فتح منظمة التجارة العالمية الاسواق امام التجارة الدولية بغير قيود او حدود. وهذا هو ما سيؤدي الى ظهور كثير من عمليات الاغراق, وكذلك العمليات غير الشرعية, ومن المتوقع ان تكون اسواق بعض الدول هي المصرف الوحيد للمنتجات التي تقرر دولها انها غير صالحة للاستعمال الآدمي داخل بلدانهم, فتصدرها الى هذه الاسواق. ومن مخاطر العولمة ايضا ان هناك خطر التنافس, وامكانية تطور التنافس في حالة السلم الى حالة الحرب فيما بين الدول. ويمتد خطر (العولمة) وقيمها التنافسية داخل الدول نفسها, حيث يسود التغابن الاجتماعي وعدم تساوي الفرص وضياع العدالة وخصوصا في الدول التي تبنت قيم العولمة من غير تطوير لنظمها الاجتماعية والسياسية والادارية بما يتفق وقيم العولمة التي تطورت في المجتمعات المتطورة اصلا اجتماعيا وسياسيا واداريا واقتصاديا.

Email