كوسوفو مزروعة بألغام الحقد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقلم د. جمال المجايدة على الرغم من الجهد الاستثنائي الذي تبذله قوات حفظ السلام الدولية (كيفور) لنزع الالغام في كوسوفو الا ان الغام الحقد العرقي والطائفي لاتزال تهدد مشروع السلام في تلك الاقليم المنكوب, فبعد اكثرمن خمسة شهور على انتهاء العمليات العسكرية ضد الحكومة الصربية ودخول قوات الامم المتحدة المكونة من قوات امريكية, فرنسية, بريطانية, اماراتية, اردنية, روسية, دنماركية, وهولندية, الى كوسوفو, يبدو الوضع كما عايشناه على ارض الواقع هناك شديد الخطورة, كما يبدو انه قابل للانفجار في اية لحظة بسبب الرغبة المتعاظمة لدى سكان كوسوفو في الانتقام ضمن اسلوب العنف والعنف المتبادل, والحقد طالما انه مزروع في القلوب لايمكن استئصاله الا بزوال الاسباب التي ادت اليه, فالالبان عانوا الامرين ودفعوا ثمنا باهظا يسبب هويتهم الاسلامية وتعرضوا لاعتداءات وجرائم صربية لم يشهد لها التاريخ الانساني مثيلا, وما زال غالبية الالبان في المدن والقرى الصغيرة يعيشون تحت وطأة جرائم الصرب ويتذكرون صورها واحداثها المأساوية, وبعضهم يجهش بالبكاء اذا ما تذكر قريبا او صديقا عزيزا فقد اثناء العدوان الصربي الذي شاهدنا اثاره بادية على وجه القرى والاحياء الصغيرة المحترقة ابنيتها او المدمرة سقوفها في المنطقة الواقعة مابين فوشتري وسوبرينتشا وبريشتينا. ولا يمكن بأي حال من الاحوال توجيه اللوم الى البان كوسوفو اذا ماواصلوا الاصرار على رفض وجود الصرب بينهم, لان الجراح مازالت غائرة, والدماء لم تجف بعد, وعيون الامهات الثكالى والارامل لم تكف عن البكاء بعد, ولذلك فإن الرغبة في الانتقام مازالت هي المسيطرة على سلوكيات البان كوسوفو وبصراحة لم اجد احدا يهادن وسط تلك الذين تحدثت اليهم من البان كوسوفو خلال جولة قمت بها في الاقليم قبيل عيد الاضحى المبارك, جميعهم يريدون ان يثأروا وان ينتقموا اما للدماء والارواح البريئة التي ازهقت او للشرف الرفيع او للخسارة الفادحة التي تكبدها الفقراء البسطاء بسبب اصرار الصرب على الاجرام. سقوط صيغة التعايش لذلك ما لاحظناه في كوسوفو لايوحي بأن الاوضاع تتجه نحو الانفراج, وان كانت تميل الى التهدئة, ومنع التصعيد وضبط ايقاع اعمال العنف في كلا الجانبين, ففي المناطق الالبانية من الاقليم ويسيطر عليها 90% من السكان المسلمين تسعى قوات حفظ السلام الدولية الى منع اعمال العنف وتجريد المواطنين من السلاح ومنع تشكيل اية احزاب او ميليشات مسلحة وتوكل مهمة ادارة شئون الاقليم المدنية الى المفوض الدولي, برنادر كوشنر لقطع الطريق على امال الالبان في تشكيل اية حكومة مستقلة او ذات نظام حكوم ذاتي في الاقليم, وفي المناطق الصربية التي يقطنها 10% من السكان تقريبا لايوجد ما يوحي بأن الاقلية الصربية يمكن ترحيلها الى صربيا, ويقال بأن القوات الفرنسية المسيطرة على المناطق الصربية تغض الطرف عن امتلاك الصرب للأسلحة وان كانوا تحت المراقبة الدائمة والسيطرة. مثقفو الاقليم من الالبان يرفضون اية صيغة للتعايش مع الصرب ويرون ان ميليوسيفيتش دمر كافة صيغ التعايش حينما طرد سكان كوسوفو الى الحدود الالبانية وغيرها من الدول المجاورة, ويؤكدون استحالة القبول بأقلية صربية قوامها 18 الف صربي ضمن اغلبية البانية قوامها 2.3 مليون الباني في كوسوفو لانهم يعتبرون ان بقاء هذه الاقلية المسيحية الارثوذكسية ضمن محيطهم الاسلامي يخدم مخططات ميليوسيفيتش لضم الاقليم لاحقا, ولذلك فإنهم يناضلون من اجل الحصول على الاسقلال, ويعتبرون ان الاستقلال هو مطلب مشروع في مثل هذه الظروف تجنبا لعدم الوقوع في فخ الاطماع الصربية ثانية. استقلال كوسوفو: كيف؟ القوى الكبرى التي قادت الحرب ضد يوغسلافيا السابقة وضد ميليوسيفيتش وحررت كوسوفو هي ذاتها التي تقف اليوم ضد استقلال الاقليم, وعلى سبيل المثال يعتبر وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين ان استقلال كوسوفو هو اتجاه نحو الاستسلام, ويذكر ان فيدرين عمل دون هوادة ضد استقلال كوسوفو وقد ترأس مع نظيره البريطاني روبن كوك محادثات السلام في رامبويين بباريس, ومؤتمر باريس من 6 فبراير إلى 8 مارس ,1999 وقد نجح فيدرين في مسعاه بفضل القرار الدولي رقم 1244 الذي تم تبنيه في العاشر من يونيو ,1999 ويؤكد القرار حقيقة واقعة وهي سيادة جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية على كوسوفو, كما يمنح الاقليم (حكما ذاتيا واسع النطاق) . امام مثل هذه المواقف اضطر كوفي عنان الامين العام للامم المتحدة إلى تغيير موقفه هو الاخر, ففي اثناء زيارته إلى باريس يوم 16 مارس 2000 قال ان قرار مجلس الامن بشأن كوسوفو غير واضح, لاننا مرغمون على ادارة كوسوفو كاقليم تابع ليوغسلافيا في حين يعتبر الالبان انفسهم على طريق الاستقلال. كما ان الوعود الامريكية لقادة جيش تحرير كوسوفو السابق حول الاستقلال تبخرت, ولا يبدو امام مواطني كوسوفو اية فرصة لتحقيق حلمهم في الاستقلال الكامل, ويميل بعضهم إلى الاعتقاد بان القوى الكبرى لن تسمح باقليم اسلامي مستقل بالكامل في قلب اوروبا, بقدر ما يهمها الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في جنوب شرق القارة الاوروبية. بعد هزيمة يوغسلافيا وانسحاب قواتها من كوسوفو في 20 يونيو ,1999 تحولت السيادة إلى القوات الدولية التي دخلت الاقليم مباشرة, ومنذ ذلك التاريخ علقت القوانين واصيبت الحياة بالشلل, وسلم الثوار الالبان سلاحهم مقابل وعود بالحصول على الاستقلال, ولم تبد في الافق حتى الان اية مبادرة دولية جادة تبحث مستقبل الاقليم, وما اذا كان سيحصل على الاستقلال أو ضم مدينة ميتروفيتشا الصربية في الشمال إلى صربيا مقابل ترحيل 18 الف صربي من الاقليم إلى صربيا وازالة نقاط التماس العرقي في كوسوفو, في حقيقة الامر, لا احد يعرف الاجابة عن هذا السؤال, فالمسألة المعقدة قد تطول وقد يطول معها انتظار الحل وستواصل القوات الدولية مهامها الانسانية والعملياتية إلى أن يجود (الكبار) في مجلس الامن, بحل لهؤلاء الفقراء المعدومين في كوسوفو.

Email