وتحرير الرجل ايضاً ، بقلم أحمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاتبني صديق صحفي فلسطيني عن ما كتبته قبل أيام من ملاحظات انتقادية الى قائدات العمل النسائي الفلسطيني قلت فيها: ان اولياتهن مقلوبة... اذ هن يطالبن بالتحرير الاجتماعي لنساء فلسطين بينما الاولوية راهنا يجب ان تكون لتحرير الارض والشعب الفلسطيني كله من الاحتلال الاسرائيلي. ووجه المعاتبة ان انتقادي يجب ان يكون موجها الى الشعوب العربية قاطبة لتصحيح اولوياتها. فما يثار الآن في غالبية الدول العربية بما يشبه الحملة المنظمة حول تحرير المرأة يتجاوز من حيث ترتيب الاولويات قضايا مصيرية تتعلق بتحرير الاوطان نفسها اولا من سيطرة اجنبية على القرار العربي في جميع جوانبه. اشكر للصديق الصحفي الفلسطيني ملاحظته الحصيفة وابادر الى القول اولا انني اتفق معه في هذه الملاحظة, وثانيا ان اختياري للشعب الفلسطيني تحديدا هو لانه صاحب القضية العربية العظمى التي سوف يحدد مآلها ومصيرها مآل ومصير الوطن العربي برمته. غير ان هذا لا يمنع ان استكمل ما بدأت لاتحدث في نفس السياق عن ظاهرة الاهتمام غير العادي, حكوميا واعلاميا, بتحرير المرأة... تلك الظاهرة التي تتفاعل حاليا في عدد من البلدان العربية. ان الظاهرة في ظاهرها صحية... لكن ازعم انها في الحقيقة مشبوهة. وهنا اعود الى مسألة الاولويات وترتيبها. واول ملاحظة جديرة بالتسجيل هي ان هناك ما يشبه الحملة المنظمة في البلدان العربية... وعلى الاخص مصر والاردن والمغرب. وهي حملة تتبناها حكومات. ففي مصر صدر قرار بتكوين مجلس قومي اعلى لشئون المرأة. وفي الاردن خرجت مظاهرة بترتيب من السلطات تندد بالمواد القانونية التي توفر درجة من الحماية للذكور البالغين الذين يدانون قانونيا بجريمة القتل في (قضايا الشرف) عندما تكون الضحية فتاة او امرأة تنتمي برابطة القربى المباشرة للقاتل. وفي المغرب تبنت السلطات ايضا مظاهرة لابداء مساندة لمشروع قانون يوفر للمرأة حقوقا فيما يتعلق بمسائل الطلاق والميراث. والسؤال الذي يجب ان يطرح هو: أليس من منطق الاولويات ان يكون اشاعة الحريات الديمقراطية في الوطن العربي عامة سابقا على تحرير المرأة؟ ان الحريات الديمقراطية قضية عربية عامة... بينما تحرير المرأة قضية خاصة بقطاع واحد في المجتمع. اكثر من ذلك فان كثيرا مما يثار بشأن حريات وحقوق للمرأة يدخل ضمنا في اطار الحريات الديمقراطية. إجمالا يمكن القول ان حقوق المرأة العربية تندرج تحت ثلاثة عناوين: حقوق تتعلق بالشريعة الاسلامية... وحقوق سياسية... وحقوق اقتصادية. اما الحقوق المتعلقة بالشريعة الاسلامية فانها مرتبطة بهذه المرجعية نفسها: الشرع الاسلامي بما يتضمن من احكام في شأن الزواج والطلاق والميراث مثلا, مبينة في كتاب الله وسنة رسوله. وهي مرجعية ينبغي ان تعلو على اية مرجعية اخرى. الحقوق السياسية تتعلق بكفالة الحريات التي تتيح للنساء ممارسة حق العمل التنظيمي وحق التعبير. اما الحقوق الاقتصادية فان في مقدمتها حق العمل وحق الاجر المتساوي. اذا وضعنا جانبا الحقوق المتعلقة بالشرع الاسلامي باعتبارها متضمنة في مرجعية عليا منفصلة, فان الحقوق السياسية والحقوق الاقتصادية للمرأة رهينة بوجود بيئة ديمقراطية تعددية كاملة للجميع, رجالا ونساء. فالظلم الاقتصادي الذي يعم غالبيه قطاعات المجتمع برجاله ونسائه هو افراز للقهر السلطوي, وغياب الحريات ومبدأ المحاسبة. وعوضاً عن المطالبة بتحرير المرأة كأولوية فان المجتمع مدعو بكل قطاعاته للمطالبة بالحق الاساسي الذي يتضمن في باطنة ما عداه من حقوق... حق الحرية والديمقراطية في التعبير السلمي والعمل التنطيمي السلمي.

Email