لماذا كل هذا ، بقلم احمد عمرابي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في باكستان هذا الاسبوع انتشر ثلاثة آلاف من جنود الشرطة والجيش لتوفير حماية امنية للرئيس الامريكي الزائر بيل كلينتون, هذا عدا المئات من كوادر اجهزة الامن والاستخبارات غير المرئية. وقبل ذلك وخلال زيارته للهند حشدت السلطات الهندية اضعاف هذه الاعداد خوفا على حياة رئيس الدولة العظمى, وفي بنجلاديش اضطر كلينتون, بناء على نصح أمني, ان يلغي زيارة مقررة الى قرية نموذجية.. فالنصح الامني كان مستخلصا من معلومات استخبارية بأن (شيئا ما) من تدبير انصار بن لادن المحليين قد يستهدف حياة الرئيس الامريكي. وبالطبع فإن طاقم الامن المرافق للرئيس على طول الخط في هذه الجولة الخارجية والطواقم الامنية الامريكية التي سبقته الى البلدان الاسيوية الثلاثة.. هذه الطواقم جميعا لا يمكن ان توصف من حيث الادوات والحيل التكنولوجية التي تستخدمها إلا بأنها تنتمي الى دنيا افلام الخيال العلمي. لماذا كل هذا؟ وفقا لابجديات نظريات الامن فإن الاستعداد الامني يكون بحجم الخوف في اطار علاقة طردية: كلما تفاقم الخوف كلما تعاظم الاستعداد.. حتى اذا بلغ الخوف درجة الرعب فإن الاستعدادات الامنية تبلغ مداها. لكن هل هذا التفسير يجيب على السؤال؟ قطعا لا.. فالسؤال الحقيقي هو: لماذا تخاف امريكا العالم؟ لقد كانت زيارة بل كلينتون الى كل من الهند وبنجلاديش وباكستان مجرد نموذج.. فقد اتفق ان زيارته اقتصرت على هذه البلدان الثلاثة في منطقة جنوب آسيا, ولو زار الرئيس الامريكي اي بلد آخر على الاطلاق في آسيا او العالم العربي او افريقيا او امريكا اللاتينية.. أو حتى اوروبا لاتخذ لها تدابير امنية من جنس افلام الخيال العلمي, وهذا مما يفسر لنا لماذا لا يتحمس الرؤساء الامريكيون كثيرا للزيارات الرسمية الخارجية. ولنعد الى السؤال: ان الفرضية الاساسية بأن العالم هو الذي يعادي امريكا قد لا تكون دقيقة. فالاصح في تقديري ان يقال ان امريكا هي التي تستفز بقية شعوب العالم بالعداء. افتح الاطلس على خريطة العالم.. وتفكر: ما هو حجم الانتشار العسكري والأمني الامريكي خارجيا؟ سوف تتوصل الى ان في غالبية دول العالم وجودا امريكيا ما غير عادي. فإن لم يكن قاعدة عسكرية او بحرية فهو محطة لوكالة الاستخبارات المركزية او وحدة لمكتب التحقيقات الفيدرالي ملحقة بالسفارة الامريكية. وبالاضافة الى ذلك لا توجد مساحة مائية مهمة حول العالم بأسره إلا وتجوب فيها قطع الاساطيل الامريكية. ويترافق مع هذا الوجود عمليات تجري من حين لآخر باسم مكافحة الارهاب وملاحقة الارهابيين بمساحة العالم كله: مداهمات أمنية أو انزالات عسكرية أو هجمات صاروخية او طلعات جوية.. وايضا اعتقالات او طلبات تسليم (مشتبه بهم) لا نهاية لها. ومع عظم هذا الوجود العسكري والامني بهذا الحجم وما يرافقه من عمليات مستمرة فإن السؤال يبقى: لماذا كل هذا؟ والاجابة ببساطة هي حماية النهب الاقتصادي العالمي لموارد الدول والشعوب باسم (الاستثمار) و(الخصخصة) و(تحرير التجارة العالمية) على ايدي الشركات العملاقة (متعددة الجنسية) . واشنطن تعلم علم اليقين ان الظلم الاقتصادي الذي تمارسه عالميا لابد ان تتفجر تراكماته لتفرز ثورات شعبية والاستعداد الأمني هو من قبيل القهر التحوطي لمستصغر الشرر قبل ان يصير لهبا.

Email