ابجديات، تكتبها عائشة ابراهيم سلطان

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال لي معاتبا: ألم يحن الوقت لاستراحة محارب؟ قلت: من هو المحارب الذي يجب ان يرتاح؟ قال: أنت! قلت: ومم أرتاح؟ قال: من كل هذه الكتابات التي هي حروب يومية تخوضينها وحق على نفسك ان ترتاح, قلت: أوتزعجك؟ قال: العكس صحيح, لكن الترويح عن النفس مطلوب, فالقلوب اذا كلت عميت! ومع انني لم اسحب كلامه على ما اكتبه ابدا, فقد اكملت حديثي معه: وماذا برأيك أفعل اذا استرحت من حروبي اليومية كما تسميها؟ قال: تكتبين عن الشعر والشعراء والحب والمحبين, قلت في نفسي: فأما الشعر فله فرسانه وأهله, وأما الحب فكما قال نزار قباني: الحب في الارض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لاخترعناه فكل حركتنا في هذا العالم مبنية وفق معادلة الحب ومؤسسة عليه, واول خلل في معادلة العلاقة بين ارواحنا والحب يخل بنظام الحياة وبعلاقتنا بالوجود وخالقه وبكل الموجودات, كلنا يعيش الحب, ولكن كل بطريقته وبالقدر الذي يحتمله فهمه وادراكه, وبالشفافية أو الحسية التي يتميز بها. ففي حين يقول شاعر: الحب روح الكون لولاه لما عاشت به الاحياء بضع ثواني فإن أبا العلاء المعري يقول: إن شئت ان تلقى المحاسن كلها ففي وجه من تهوى جميع المحاسن لكن ابا الطيب المتنبي يجدف نحو الحب عاقلا هذه المرة فيقول: فإن قليل الحب بالعقل صالح وان كثير الحب بالجهل نار ولكن ماذا لو لم تكن تحب؟ وماذا لو لم يكن حب في الارض؟ وعودة إلى الحكاية الازلية بين الاخوين هابيل وقابيل واول جريمة قتل ارتكبت على وجه الارض: هل يحق لنا ان نتساءل: أكان الحب سببا في هذه الجريمة؟ ام كان القبح وعدم الاحساس؟ اذا لم تكن تحب فأنت لا تكره بالضرورة, لكنك قد تكون اسوأ من ذلك بكثير, والاسوأ وصول الانسان لحالة عدم الاحساس, وهذه الحالة نقيض الحب تماما, فألا يحس الانسان بما وبمن حوله يعني الا يرى ولا يسمع سوى نفسه, فلا يرحم ولا يعطي ولا يسعد احدا, يعني باختصار الا يكون انسانا, والا يكون جميلا. تأمل كلمات نزار: قولي احبك كي تزيد وسامتي فبغير حبك لا اكون جميلا قولي احبك كي تصير اصابعي ذهبا وتصبح جبهتي قنديلا حين تحب اهلك ترحمهم وتتواصل معهم, وحين تحب نفسك تعتني بها وتترفع بها عن الصغائر, وحين تحب جارك لا تؤذيه, وحين تحب صديقك وزميلك تحفظ غيبته وتبتسم في وجهه في الصباحات التي تلقاه فيها, حين تحب تكون شفافا وخيرا وجميلا بالفعل, وكم احب ما قالته رابعة العدوية حين دخلت إلى مسارات النور الالهي واحبت خالقها: احبك حبين, حب الهوى وحب لانك اهل لذاك كلنا نحب, لكن الشعراء والموسيقيين والرسامين يقولون الحب بشكل اجمل ولذلك يقول احد الكتاب العرب: انت محروم من نعيم الله, اذا لم تكن شاعرا أو رساما أو موسيقيا, فان لم تكن واحدا منهم, ففي استطاعتك ان تعجب بهم أو ان تحبهم أو تعايشهم, أو تحرص على اخبارهم أو الاحتفاظ بصورهم واصواتهم, لانهم اناس لا حول لهم ولا قوة, ولذلك فهم لا يحسدون احدا.

Email