هل مقولة فصل الدين عن السياسة صحيحة حتى بمفهوم غير إسلامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقلم احمد عمرابي السؤال مطروح على هذا النحو لان هذه المقولة هي ابتداء انتاج غربي تبناه قسم من المثقفين العرب واعادوا عرضه على الجمهور العربي المسلم وكأنهم اصحابه الاصليون. وعندما تعالت اصوات الفلاسفة الليبراليين في اوروبا في (عهد التنوير)، مطالبة بوضع حد فاصل بين الشئون العبادية والشئون المدنية (اي الدنيوية) لم تكن المطالبة موجهة ضد الدين المسيحي كعقيدة وانما على وجه التحديد ضد المؤسسة الكنسية الكهنوتية ورجالها استنادا الى اتهامات موجهة اليها مبنية على تاريخ طويل عبر قرون متصلة من فساد هذه المؤسسة واستغلالها للصفة الكهنوتية للاثراء الشخصي غير المشروع من ناحية والتدخل في شأن مؤسسة الحكم من ناحية اخرى, والخطأ الذي وقع فيه من يطلقون على انفسهم (العلمانيين العرب) سواء عن قصد أو جهل هو ان الدين الاسلامي ليس فيه (مؤسسة مسجد) على غرار مؤسسة الكنيسة.. وبالتالي ليس فيه كهنوت او كهنة يضعون انفسهم بين الخالق والعبد كواسطة, فالعلاقة بين العبد وربه في الاسلام مباشرة. ويقول الله تعالى عن نفسه في القرآن الكريم: (ونحن اقرب اليه من حبل الوريد) فهل هناك قرب ألصق من هذا.. ان يكون الله اقرب الينا من الدم الذي يجري في عروقنا؟ واعود الى السؤال المطروح: هل بالرغم من تاريخ العداء الطويل بين مؤسسة الحكم ومؤسسة الكنيسة في الغرب يمكن على الصعيد العملي فصل الدين عن السياسة؟ والمقصود هنا هو الدين المسيحي كعقيدة سماوية ذات منظومة من القيم الخلقية العليا المبنية على معتقد غيبي. قبل بضعة ايام شاهدت فيلما روائيا عن اسقف من قادة الكنيسة الكاثوليكية في السلفادور في امريكا الجنوبية يقحم نفسه والكنيسة في حلبة الصراع الداخلي الذي كان يدور خلال عقد الثمانينيات في القرن الماضي بين الجيش والنظام الاستبدادي العسكري الذي يسنده, وبين حركة مقاومة شعبية مسلحة تناضل من اجل اقرار العدالة الاجتماعية. الفيلم ليس خياليا رغم انه ليس فيلما تسجيليا, فقصة الاسقف حقيقية. ووفقا لهذه القصة انقسم طاقم الكنيسة الى فريقين: فريق يرى ان تنأى الكنيسة بنفسها عن حلبة الصراع الدائر على اساس ان مهمة رجال الدين تنحصر في قيادة العبادات وتفسير الكتاب المقدس.. فلا يجب ان يكون لها علاقة بشئون السياسة.. اما الفريق الآخر والذي كان يتزعمه الاسقف فقد كان يحاجج ان محاربة الظلم الاجتماعي والنضال من اجل اقرار العدالة هو جوهر الدين.. وان رجال الدين مسئولون امام ربهم ان قصروا في هذا الواجب, وكانوا يقولون ايضا: ان المشهد يتطلب من الكنيسة موقفا اخلاقيا مستمدا من قيم المسيحية.. سواء اسميته (سياسة) او غير ذلك. بكلمات اخرى فإن هذا السؤال الكبير الذي يطرحه مغزى هذه القصة هو: ما هو تعريف السياسة؟ وما هي حدودها؟ وما هي رسالة الدين ـ اي دين ـ اذا لم تكن هي ابتغاء مرضاة الرب والتقرب اليه طلبا لمرضاته بمحاربة كل ما نهى عنه من الظلم والعدوان؟ واذا كان هذا ينطبق على ديانات غير الاسلام.. فمن باب اولى ان ينطبق على الاسلام باعتباره ختام الديانات السماوية واكملها, ولكي تستوثق من شئون السياسة والحكم بغض النظر عن تفسير معنى (السياسة) فإنك لا تحتاج اكثر من مراجعة حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: الداعية, العابد, المجاهد, الجندي, الدبلوماسي.. الخ.

Email