الصين وتايوان .. قصة تاريخية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بقلم أحمد عمرابي ربما لا يكون مطلب ضم تايوان إلى الصين الام دون الأخذ في الاعتبار رغبة الشعب التايواني مطلبا خاطئا, لكنه مع ذلك يظل في منظور الامن القومي الصيني مفهوما. عندما خرجت (جمهورية الصين الشعبية) إلى حيز الوجود عام 1949 كانت هناك ثلاث جزر كبيرة خارج السيادة الصينية: هونج كونج تحت استعمار بريطاني, وماكاو تحت استعمار برتغالي, وفورموزا (التي اتخذت لاحقا اسم تايوان) صارت دولة مستقلة باسم (جمهورية الصين الوطنية) . ولمدى العقود التالية صارت هذه الكيانات الثلاثة منطلقات لمسلسل لا ينتهي من التآمر الغربي بأشكاله السياسية والاقتصادية والامنية والاعلامية ضد (الصين الشعبية) لماذا؟ تزامنت ولادة (الصين الشعبية) مع المراحل المبكرة للحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي الغربي والاشتراكي السوفييتي, وكأكبر دولة آسيوية كان من الطبيعي ان تدخل معترك الحرب الباردة. ولأنها كانت دولة اشتراكية ماركسية كان من الطبيعي ايضا ان تنضم إلى المعسكر الاشتراكي السوفييتي المناوىء للرأسمالية العالمية. لهذا واجهت الصين الشعبية منذ اول يوم لظهورها على مسرح السياسة الدولية عداء امريكيا اتخذ كل الاساليب والاشكال الشرسة, وكان محور العداء الامريكي ومنطلقه الاساسي وضع (الصين الوطنية) في مواجهة الصين الاخرى, بمعنى ان الولايات المتحدة اعلنت من اول وهلة انها لا تعترف الا بالصين الوطنية كممثل للشعب الصيني, وبالتالي ظلت تعتبر الصين الشعبية كيانا غير مشروع لا ينبغي الاعتراف بوجوده كدولة مستقلة ذات سيادة. ولكن كيف تحولت جزيرة فورموزا إلى (جمهورية الصين الوطنية) لقد كان ظهور (الصين الشعبية) الاشتراكية وليد ثورة مسلحة كان رأس حربتها الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ماوتسي تونج, والنظام الذي اطاحت به الثورة كان حكما اقطاعيا قوامه (الحزب الوطني) بقيادة الجنرال تشيان تشاي تشيك, ومع بوادر هزيمة النظام هرب الجنرال واعضاء اسرته إلى جزيرة (فورموزا) حيث استلقوا بها وكونوا نظام حكم جديدا لدولة جديدة هي (جمهورية الصين الوطنية) أو تايوان. كانت الحملة الامريكية العدائية العارمة ضد (الصين الشعبية) محكوما عليها بالفشل مقدما, ذلك ان تايوان مثلها مثل هونج كونج ومكاو لم تكن بالمقارنة مع الصين الشعبية, جغرافيا وسكانيا واقتصاديا, إلا بمثابة النقطة بالنسبة إلى البحر, ولم تفلح هذه الحملة إلا في زيادة التشدد الصيني. من هنا كان اعلان الصين الشعبية تمسكها بمبدأ (صين واحدة) وكان معنى هذا الشعار على الصعيد التطبيقي في ساحة التعامل الدولي ان بكين ترفض المساواة بينها وبين الصين الوطنية, ولهذا ظلت بكين منذ اول وهلة وحتى اليوم تشترط على كل دولة تريد الاعتراف بها ألا تعترف تلك الدولة بالصين الوطنية ككيان مستقل ذي سيادة. ومع توالي اعترافات دول العالم المختلفة ـ ومن بينها حلفاء للولايات المتحدة كدول اوروبا الغربية ـ بالصين الشعبية كممثل اوحد للشعب الصيني اضطرت امريكا لمجاراة هذه الموجة العالمية فاضطرت للاعتراف بها في عقد السبعينيات, وبعد ذلك استردت الصين الشعبية هونج كونج من بريطانيا ومكاو من البرتغال. الآن ومع بقاء تايوان دولة مستقلة لاتزال العقدة الامنية لبكين الموروثة من الماضي تجعل الصين الشعبية شديدة التمسك باسترداد تايوان. واذا كنا نلاحظ ان الولايات المتحدة تتبنى حتى الآن سياسة تقوم على حماية تايوان فلنستذكر ايضا ان واشنطن سبق ان تخلت عن تايوان تاريخيا قبل ما يقارب 30 عاما عندما سحبت اعترافها بتايوان كدولة مستقلة لكي تتمكن من اقامة علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. فيما يبدو اذن ان عودة تايوان إلى الصين الام بطريقة أو بأخرى قد لا تكون إلا مسألة زمن.

Email