لبنان ومفترق هام ، بقلم د.شفيق ناظم الغبرا

ت + ت - الحجم الطبيعي

حققت قمة وزراء الخارجية العرب اهم اهدافها, الا وهو اعطاء لبنان غطاء سياسيا عربيا يسمح له بالشعور ببعض الثقة تجاه العمق العربي, ويسمح له بنفس الوقت بالاحتماء الاوسع من افاق واحتمالات التصعيد الاسرائيلي في الجنوب اللبناني الموقف العربي في صيغته الراهنة قدم للبنان موقفا وارسل لاسرائيل رسالة سياسية مفادها مخاطر الاستفراد بلبنان, هكذا جاء الرد العربي ضمن ماهو ممكن من حيث الدعم المعنوي والالتفاف السياسي والتأكيد بأن مزيدا من التصعيد الاسرائيلي فيه اضرار كبيرة على العملية السلمية مع الدول العربية والعالم العربي, بالمحصلة اشعرت القمة لبنان بأهميته للعرب, واشعرت القمة اسرائيل ايضا بأهمية لبنان للعرب. ولكن التحرك العربي الجديد لاينفي الجوانب الاخرى التي مازالت تلازم العمل العربي التضامني, فالوضع العربي يتحرك ببطء شديد مما يجعله متأخرا عن الحدث, كما ان الحالة العربية لاتزال تطرح خطابا عاما فيه الكثير من الوعود التي يصعب تطبيقها, فالوضع العربي الذي انقسم عام 1990 والحالة العربية التي خسرت الكثير من مكونات القوة العسكرية والاقتصادية والتضامنية لايزال يعاني من اثار تلك الاحداث والتطورات, هذا يعني بأن نتائج ما يقوم به العرب من لقاءات ومحاولات سوف يقل بطبيعة الحال من الطموحات ومن الشعارات المرفوعة, وهذا امر من الضروري ان يعيه لبنان وهذا ما تعيه ايضا الدول التي تضامنت مع لبنان اذن هناك فارق بين الحالة الجماعية التي تقدم للبنان الشعور بالقوة والاستعداد, وبين الحالة الواقعية التي تقول بأن الدول التي اجتمعت تمتلك تصورات مختلفة حول امور عديدة, وانها ترى الوضع من زوايا مختلفة, كما ان استعدادها السياسي في حالة التصعيد يختلف من دولة الى اخرى بمعنى اخر ان التحرك العربي يمثل خطوة هامة في الاطار العام وهو حدث ايجابي بمقاييس عديدة, لكنه ايضا يمثل حدودا محددة يجب الانتباه لمحدوديتها. وقد جاء الاجتماع العربي في ظل حدث اخر على اهمية كبيرة الا وهو اعلان اسرائيل بأنها تنوي الانسحاب من جنوب لبنان بغض النظر عن التوصل لاتفاق, وفي هذا المجال تبلورت اولوية لبنانية لضرورة انسحاب اسرائيلي متفق عليه مع لبنان ولانسحاب اسرائيلي متفق عليه ايضا مع سوريا في الجولان فالانسحاب الاسرائيلي بدون اتفاق سلام يفتح المجال للكثير من الاحتمالات في الوقت نفسه, وهو لن يخلو من مخاطر التصعيد والتوتر والخوف من تأثيرات ذلك على لبنان وعلى سوريا في الوقت نفسه, ولكن الانسحاب الاسرائيلي من اية قطعة ارض عربية محتملة هو ايضا مكسب يجب التعامل معه بتشجيعه لهذا فان لم تسر الاوضاع في الشهور المقبلة نحو اتفاق اشمل للسلام, يجب تشجيع سيطرة لبنان على جنوبه وسيطرة لبنان على ارضه وخروج الاحتلال من اراضيه, ان البروز بموقف المتردد امام افاق الانسحاب الاسرائيلي يضر بمبدأ المقاومة ويضعف الموقف العربي الذي طالما طالب بتحرر كل قطعة ارض عربية دون شرط او قيد. وتفاديا لاختلاط الكثير من الاوراق وتفاديا للكثير من الاضرار فأن احياء عملية السلام هي المخرج الحقيقي, واحياء عملية السلام يعني التفاوض من اجل ضمان انسحاب اسرائيلي متفق عليه, وهذا سوف يتطلب تفاوضا مع سوريا حول الانسحاب من الجولان ان سمة المرحلة المقبلة هو الصراع والتفاوض في الوقت نفسه على مستقبل العلاقة العربية الاسرائيلية وذلك من خلال لبنان وسوريا ومن خلال السلطة الفلسطينية ومفاوضاتها, وقد جاء مؤتمر القمة العربية ليقدم الغطاء العام للوقوف امام التصعيد الاسرائيلي لكنه في الوقت نفسه يعكس التضامن العربي الذي يريد ارسال اشارات واضحة للولايات المتحدة لتبدأ بأعادة تحريك العملية السلمية مع كل من لبنان وسوريا واسرائيل, نعم حقق مؤتمر القمة الوزاري اهدافه, ولكنه حقق هذه الاهداف في اطار الحدود السياسية التي تعيشها المنطقة لا خارجها او على اطرافها.

Email